بعيداً عن البكائيات في رثاء الأوطان.
يمكن لجيش الاحتلال الأميركي أن يحتفل، اليوم، بأنه قد أنهى وجود »العراق«، دولة واحدة وشعباً موحداً، قبل أن تنتهي السنة الثالثة على اجتياحه عسكرياً بذريعة إسقاط طاغيته فإذا به »وريثه الشرعي« ومكمل جهده، جهاراً نهاراً وتحت عيون العالم أجمع، لشطبه عن موقعه المؤثر في التاريخ العربي الحديث.
ويمكن للرئيس الأميركي جورج بوش أن يحتفل، مرة أخرى، بأنه قد أنهى عبر تفكيك العراق مجلس الأمن الدولي، ولو كمرجعية »شرعية«، بمن فيها من دول الفيتو، وكذلك روابط التضامن العربي، بدءاً بالقمة مروراً بجامعة الدول العربية، أما آخر الضحايا فهي صيغة »دول الجوار« التي تطوّعت لأن تكون »المخرج« فإذا هي في قلب المأزق لا تعرف طريقاً للنجاة ولا لتبرئة الذات من شبهة العمل لتمويه الاحتلال، بدلاً من التصدي له قبل أن تبلغها تداعياته المدمّرة.
ها هو شعب العراق، المفكّك الأوصال، المصاب بلوثة الدم، المثقل بالذكريات السوداء لدهور الطغيان، يتوه عن أهدافه الأصلية فيغرق في نجيع شهدائه الذين صاروا مثل اللبنانيين، في أمسهم القريب، والفلسطينيين المهددين في غدهم مجرد أرقام لا تعني غير احتراق الوطن والدولة والشعب في أتون الحرب الأهلية.
لم تفد الديموقراطية المسقطة بالأمر على مجتمع صدّعه الطغيان ثم دمّره الاحتلال، في منع الكارثة، بل لعلها قد عجّلت في تفجيرها..
كذلك فإن خوف »دول الجوار« من تمدد النار إليها جعلها تغذي هذه النار مفترضة أنها بذلك تتخلص من »الإرهابيين« فيها بدفعهم لنيل الشهادة في »أرض السواد«، فإذا بهم يتحوّلون إلى حليف موضوعي للاحتلال، وإلى عامل تفجير للحرب الأهلية باستعادة تاريخ الفتنة الكبرى بدلاً من »الجهاد الأكبر« من أجل التحرير.
وليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل إن بعض المسؤولين العرب كانوا المبشّرين بالكارثة والمحرّضين عليها عبر »التبشير« ب»الهلال الشيعي«… وها أن »أعقلهم« و»أرصنهم« بالافتراض يشكّك في ولاء أكثرية العراقيين لعروبتهم ولأرضهم… فهل هناك مساندة للاحتلال وتبرئة له أكثر من هذا من جرائمه التي يعطيها أسماء حملات التحريض المتنقلة بين أنحاء العراق المختلفة؟
إن بعض المسؤولين العرب إنما يبرّئون الاحتلال الأميركي من جناية تدمير العراق بالحرب الأهلية.
… تماماً كما يبرّئون إسرائيل من جناية تدمير فلسطين بمشروع الحرب الأهلية التي يُراد تحميل مسؤوليتها لخطيئة إقدام الفلسطينيين على ممارسة الديموقراطية بناء للوصايا الأميركية ونصائح المسؤولين العرب الذين يمنعون على شعوبهم ممارستها أو التطلع إليها.
والحرب الأهلية في العراق المحتل ستضيّع فلسطين.
وسقوط فلسطين المحتلة سيضيّع المستقبل العربي.
فليستعد نظّامو الرثاء للتفجّع على المستقبل العربي، مع ملاحظة أن يكون الرثاء بالإنكليزية أو بالعبرية ليفهمه قتلة الأوطان، لأي جنسية انتموا.