من قبل أن تنتهي القمة الإسلامية الثامنة في طهران، كان الخاسرون الكبار قد كشفوا أنفسهم:
1 الأميركيون بعجزهم عن نسف القمة بتعطيل انعقادها أو بتلغيمها من الداخل إذا ما انعقدت.
2 الأتراك بعجزهم عن المواجهة والدفاع عن مواقفهم الاستفزازية سواء ضد سوريا، سياسياً، أو ضد العراق عسكرياً، أو ضد مجموع العرب بمضيّهم قدماً في التحالف الاستراتيجي، أي العسكري والاقتصادي والسياسي، مع إسرائيل.
3 الإسرائيليون الذين كانوا قد تلقوا صدمة عنيفة في مؤتمر الدوحة المنعقد على شرفهم، فجاءت قمة طهران لتؤكد أن ما جرى لهم في قطر مجرد إعلان نوايا عن نهج يبدو أن المسلمين، ومن ضمنهم العرب، سيعتمدونه بمجموعهم، كرد أولي على اجتياح التطرف سدة الحكم في إسرائيل، وإصراره على محاولة تركيع الجميع وإجبارهم على التسليم بشروطه المذلة.
وإذا كان طبيعياً أن تنتهي القمة بنصر سياسي كبير لإيران وإسلامها المختلف عن »الإسلامات« الحاكمة أو السائدة، فإن لإيران شريكاً أساسياً في هذا النصر السياسي يتمثل في القائلين بالصمود والمقاومة والممانعة في مواجهة سياسة الاحتواء الأميركية ومحاولات الهيمنة الإسرائيلية، والشريك هو بالتحديد سوريا ومعها لبنان المشرَّف بمقاومته للاحتلال وشعب فلسطين الذي ما زال يخوض ضمن أقسى الظروف تصدّيه لمحاولات تفتيت أرضه وتشويه إرادته ومسخ تطلعه إلى حقه الوطني المشروع في دولة فوق أرضه بعاصمتها القدس، وكل مَن يناضل من أجل غد أفضل في كل هذا العالم الإسلامي الفسيح.
المنتصرون هم، بكلمة، الذين كانوا يواجهون الخاسرين الكبار، فهم قد كسبوا ليس فقط ما خسره »خصومهم«، بل أيضاً ما استعادوه من رصيدهم الطبيعي لدى إخوانهم المسلمين، الذين كانوا قد غرقوا في أوهام »الاعتدال« الإسرائيلي فانساقوا إلى مواقف مستهجنة وغير منطقية بل ومرفوضة من شعوبهم.
ولعل الرئيس السوري حافظ الأسد قد لخص قاعدة سياسية ممتازة للمواجهة التي لا بد منها، مع الضغوط ومحاولات القهر والهيمنة، حين قال »إن التطرف الإسرائيلي يزداد بقدر ما يتزايد الاعتدال العربي، وإن التعامل مع إسرائيل سيشجعها على مزيد من التطرف«.
ومواجهة محاولات الهيمنة لا تلغي، بالضرورة، الإصرار على حوار الحضارات، بل والحوار بين الدول المختلفة السياسة، كما واقع الحال بين إيران والولايات المتحدة، أو الضغط على المصالح الأميركية، وهي هائلة في منطقتنا، لإلزامها بتعديل سياستها ولا سيما انحيازها المطلق لإسرائيل.
لقد عزل الخاسرون أنفسهم بتطرفهم.
وربح »المعتدلون« لأنهم لم يستمروا في »اعتدالهم« إلى حد التفريط بمصالحهم وحقوقهم الوطنية، واضطروا إلى الابتعاد ولو بشكل خجول عن خصومهم المتطرفين.
تحوّل الآمر بالعزل، أي الأميركي، إلى معزول، ومتحدي الإرادة الإسلامية شبه الإجماعية إلى »منبوذ«، واضطر الرئيس التركي سليمان ديميريل إلى الهرب من المواجهة. أما إسرائيل فلم تجد أحداً من بين الذين كانوا »يهرولون« للتطبيع وإقامة العلاقات معها، مَن يجرؤ على الدفاع عنها، وهكذا فهي خسرت مرتين: خسارتها المباشرة والخسارة التي مُنيَ بها حليفاها الاستراتيجيان الأميركي والتركي.
على هامش السياسي، وفي المجال الفكري الذي يلح عليه كثيراً الرئيس الإيراني محمد خاتمي، لا بد من تسجيل بوادر طيبة بينها:
} تأكيد القمة ضرورة التفاعل والتحاور والتفاهم على نحو إيجابي بين الثقافات والأديان، ورفضها نظريات أنصار الصدام والنزاع.
} إدانتها، بشدة، الإرهاب في جميع صوره ومظاهره (لا سيما إرهاب الدولة بالنسبة لإسرائيل) مع الاعتراف بحق الشعوب المستعبدة في تقرير مصيرها.
} اعتبارها أن بعث الحضارة الإسلامية، يمثل واقعاً عالمياً سلمياً، »فالحضارة الإسلامية قامت عبر التاريخ على التعايش السلمي والتعاون والتفاهم المتبادل بين الحضارات، وكذلك على التحاور البنّاء مع الديانات والأفكار الأخرى«.
} تأكيدها التأييد لأهداف ومبادئ »إعلان القاهرة« بشأن حقوق الإنسان في الإسلام.
} والأهم، تأكيد »احترامهم الكامل لكرامة المرأة المسلمة وحقوقها وتعزيز دورها في كل أوجه الحياة الاجتماعية«.
طبعاً، الأعمال بخواتيمها.
وما تحقق، سياسياً، قد يضيع إذا لم يشفع بما هو عملي، إن على مستوى العلاقات بين الدول المعنية، كأن تتحول السوق الإسلامية المشتركة من فكرة الى مشروع جدي قابل للتنفيذ، وإن على مستوى تعامل هذه الدول مع إنسانها الذي يبدو في الغالب الأعم مسحوقاً ومغيَّباً ومضيَّعاً بين »إسلامات السلطة« التي لا تعترف به.
لن يكون الإسلام بخير ما دام المسلم يتحمل من حكّامه المسلمين كل هذه المظالم، فلا يتبقّى له من الجهد ما يكفي لمواجهة أعدائه في الخارج.
ولن يحضر الإسلام كرسالة إنسانية وكحضارة، ومن ثم كرابطة بين المنتمين إلى دين واحد، ما استمر اضطهاد »المسلم« وباسم إسلام السلطان الذي يكاد ينكر أي إسلام غيره، وبالذات: الإسلام، الإسلام..
وأخيراً فالمطلوب أن نعترف بهذا المسلم كإنسان، كمواطن، ليمكنه من ثَم أن يقاتل ضد أعداء وطنه وإنسانيته وحقوقه الطبيعية.