استولدت منظمة التحرير الفلسطينية بعملية قيصرية في أيار 1964، تحت إشراف جمال عبد الناصر، وفي ظل نفوذه الطاغي، لتكون الإطار السياسي لنضال هذا الشعب الذي احترف الثورة وشارك في مختلف الانتفاضات العربية، بالفكر والجهد والسلاح.
كان العديد من الحكام العرب يقاتلون بشراسة ضد أن يتولى شعب فلسطين عبر هيئة سياسية معترف بها قضيته، لتبقى مشاعاً وموضوعاً مفتوحاً للمزايدة والمناقصة والمساومة مع «الدول» التي رعت قيام إسرائيل ودولتها على حساب فلسطين وشعبها. وكان الأمير الهاشمي في الأردن الأشرس في القتال خصوصاً أن «النكبة» قد حوّلته إلى ملك متوّج.
ولقد فرض على هذه المنظمة الوليدة، التي ألقيت عليها أعباء القضية بكل أثقالها وبمختلف أبعادها، أن تقاتل أهل النظام العربي، بداية، من أجل الاعتراف بها، ثم من أجل استقلالها لتكون ـ فعلاً ـ الممثل الشعبي الوحيد لفلسطين شعباً وأرضاً ومشروع دولة.
بعد هزيمة 5 حزيران 1967 وانحسار نفوذ عبد الناصر أمكن لقيادة «فتح» أن تنظم «انقلاباً» أطاح أول رئيس للمنظمة وهو أحمد الشقيري الذي اجتهد لانتزاع الاعتراف بها عربياً ودولياً… وهكذا تولى ياسر عرفات بوصفه قائد الفدائيين الآتي من أول مواجهة واسعة النطاق وبالسلاح مع العدو الإسرائيلي (معركة الكرامة في غور الأردن) رئاسة المنظمة. وانتهت الحقبة المدنية للمنظمة.
صارت المنظمة «الدولة» و«الحكومة» ومرجعية الكفاح المسلح في آن معاً، وكانت فلسطين قد باتت جميعها تحت الاحتلال الإسرائيلي.
… ورحل جمال عبد الناصر في لحظة حاسمة: كان النظام الأردني قد خرج إلى الحرب ضد «الفدائيين» تمهيداً لإخراج «فلسطين» جميعاً من مملكته. ودفعت المنظمة الثمن غالياً من دماء مقاتليها ومن آمال شعبها ومن قدراتها… ونثر دمها على «القبائل» وشرد الفدائيون حتى استقروا بعيداً عن الجبهة الأصلية في لبنان، بينما تم توزيع جيش التحرير على العواصم المختلفة، لا سيما الأبعد عن فلسطين.
وبعد حرب رمضان 1973 خرجت مصر نهائياً من ساحة المعركة، في حين تم استرهان سوريا باتفاق فك الاشتباك… ثم توالت معاهدات الصلح المنفرد، تحت شعار مصر أولاً، ثم الأردن أولاً، إلى أن جاء الاجتياح الإسرائيلي ليخرج المنظمة ومقاتليها من لبنان إلى المنفى في تونس.
في 13 أيلول 1993 تمت صفقة أوسلو وأدخلت المنظمة إلى «الداخل» تحت الاحتلال. وبدأت صفحة جديدة من التاريخ الفلسطيني مع «السلطة الوطنية» التي لا سلطة لها.
هذا العدد من «فلسطين ـ ملحق السفير» عن المنظمة بوصفها محطة حاسمة في تاريخ النضال الفلسطيني.
… وها هي فلسطين تقف على باب الأمم المتحدة فيتعذر عليها الدخول، بقدر ما يصعب على قيادتها العودة إلى.. الكفاح المسلح.
لكن القضية باقية: تفعل في الواقع العربي، ولم يتوقف نضال شعبها الذي قد يكون جذوة الانتفاضات العربية المرشحة لأن تصنع الغد الأفضل.