طلال سلمان

من تظاهرتي ماضي الى حرب اسرائيلية مال عربي

حول الانقسام السياسي على قاعدة طوائفية في لبنان المأساة السورية المفتوحة على المجهول إلى مهزلة سوداء شارك في تمثيلها بواقي بعض أحزاب الماضي التي فشلت في بناء الدول التي استولت على الحكم فيها بالعسكر وليس بالعقيدة، وبالانقلاب وليس بالانتخاب، مع «طلائع» القوى العائدة من ظلام الأمس بادّعاء القدرة على صناعة المستقبل بشريعة السلف الصالح.
على أن النظام الفريد في لبنان القادر على مسخ العقائد والأفكار وتزييف السياسة وتزكية الطائفية قد وجدها فرصة ممتازة لتأكيد التزامه الديموقراطية الشكلية متباهياً ـ مرة أخرى ـ على الأنظمة الحاكمة في محيطه أنه قد نجح حيث أخفقت، وطمس طائفيته بالتعددية، بينما هي تذهب إلى الحروب المذهبية تحت قيادة الحاكم الفرد الذي يختزل السياسة جميعاً في شخصه، بحماسة منقطعة النظير.
وهكذا قدمت الخطايا القاتلة للنظام السوري، المستهين بحياة شعبه وحقوقه الطبيعية في وطنه، تزكية مجانية لهذا النظام الفريد في لبنان والذي لم يعترف، مرة، بحقوق «رعاياه» في أن يكونوا «شعباً» له «دولة» تضمن له حياة كريمة في وطنه.
لن تبدل التظاهرتان الهزيلتان في ساحة الشهداء ببيروت، بطبيعة الحال، من هول القمع الدموي الذي يتعرض له الشعب السوري في مدنه وقراه والأرياف، ولا هي ستسرّع عملية الإصلاح التي يتلاشى الحديث عنها عبر دوي رصاص القتل والانفجارات التي تبدّل معالم المدن وتضرب المؤسسات والمنشآت جميعاً، ومن ضمنها المباني الجامعية والمدارس والمستشفيات، فضلاً عن البيوت والمصانع والقطارات وخزانات النفط وأنابيب الغاز.
كذلك لن يستطيع هذا التباري في مخاطبة «الخارج» بشعارات ليس لها صدى في «الداخل» أن يبدّل في مسار الأحداث في سوريا التي تنزف رصيدها العربي ويواجه نظامها حصاراً دولياً قاسياً يضغط على الحياة اليومية لهذا الشعب الذي لم يتأخر يوماً عن تقديم التضحيات الغوالي وهو ينصر قضايا الحرية والتقدم والاستقلال في مختلف أرجاء الوطن العربي، مشرقاً ومغرباً، وفلسطين بداية وانتهاءً.
… وبينما التظاهرتان الهزيلتان تتواجهان في قلب بيروت، وقد فصلت بين «حشودهما» طوابير من الجيش والقوى الأمنية وأجهزة الإعلام، مرئياً ومسموعاً ومكتوباً، كانت تجري بعض «الأحداث الهامشية» في عواصم عدة من العالم، بعيدها والقريب.
في الرياض كانت هيئة أركان حرب الربيع العربي تتلاقى للإعداد لجولة جديدة من النضال لإسقاط النظام السوري الذي رسب في امتحان الديموقراطية وحقوق الإنسان التي يقدّسون، بعدما أفشل الكفار الروس والصينيون خطتهم التي ألزموا جامعة الدول العربية بتبنيها وجمعوا لها العالم كله في مجلس الأمن… ولعلهم قد قرّروا تبديلاً في الخطة بحيث يقدّمون إيران، كهدف استراتيجي، على سوريا، خصوصاً أن رئيس حكومة العدو الإسرائيلي نتنياهو قد وصل إلى واشنطن، ولن يكتفي بكل التعهدات التي أكد الرئيس الأميركي ذو الجذور الإسلامية باراك أوباما أنه قد التزم فقدّمها لإسرائيل، بل هو سيجبره على أن يتقدّمه في الحرب على إيران وإلا… أسقطه فحرمه من ولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية القريبة، والتي تجعل إسرائيل «الآمر الناهي» والصوت الحاسم فيها.
وفي هذا التبديل في الأولويات يتقدم إسقاط النظام الإسلامي في إيران على الشأن السوري، فمتى سقط الأصل سقط الفرع… ثم أن إسرائيل ستتولى هذه المهمة، وبديهي أن الضرورات تجيز المحظورات، وأن الصديق الأكبر الأميركي سيضطر إلى تغطيتها فما المانع في أن تكون دول النفط والغاز هي الشريك الثالث، وأن تكرر هنا ما فعلته مع صدام حسين قبل ثلث قرن، علماً أن النتائج الآن مضمونة والكلفة زهيدة إذا ما قيست بالأرباح المتوقعة والتي ستثبت «مجلس التعاون الخليجي» قيادة معترفاً بها لكل من نطق بالضاد من أهل الإيمان بالدين الحنيف؟!
أما فلسطين فيمكنها أن تنتظر سنوات إضافية فمن صبر على تحريرها أو استعادتها ستين سنة ونيف يمكنه أن يصبر بعد.. كذلك يفعل صنّاع التاريخ ولا يتعجلون كما يفعل السيد حسن نصر الله، الذي دأب على الخروج على الإجماع العربي، وذهب لصد الحرب الإسرائيلية منفرداً، قبل ست سنوات، وكاد يورطنا جميعاً فيها لولا أن انتصرت «الحكمة» في واشنطن وتل أبيب، فتركوا لنا أن نموّه موقفنا الرافض لتلك الحرب، بل للمقاومة جميعاً، ولقائدها خاصة، ببعض المساعدات من أجل إعادة بناء القليل من الكثير الذي هدمته إسرائيل في لبنان؟
ليقل السيد حسن نصر الله، ما شاء له القول: «من لحق بنا صنع النصر فانتصر، ومن تخلف عنا لم يبلغ الفتح»، وليعلن أن القدس هي عاصمة فلسطين والعرب والمسلمين، فنحن من يقرر في كل الأمور وليس هذا المغامر الذي كاد يضيّع لبنان ويضيّعنا معه!
فنحن أهل النفط والغاز، نحن المال والسلاح وعدة الحرب إذا لزم الأمر.. ثم أننا نحن الجامعة العربية والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ونحن الإدارة الأميركية، حتى وإن تقدمت علينا إسرائيل، وما المانع طالما أن هدفنا واحد؟!
هل نحن أقوى من رئيس الرؤساء في العالم، باراك أوباما، الذي وقف بالأمس، أمام رئيس دولة العدو الإسرائيلي شيمون بيريز، ومستبقاً وصول رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، ليعلن بوضوح قاطع: «من حق إسرائيل السيادي القيام بما تفرضه الضرورات الأمنية»… مسقطاً من خطابه أي ذكر لفلسطين، ومن ثم للمستوطنات الإسرائيلية التي تنهش أرضها يومياً بحيث لا يتبقى منها شيء لدولة فلسطين العتيدة. ومع أننا نعرف أن هذا الرئيس الأميركي لا يريد الحرب، إلا أنه أعلن أن بلاده لا تشك مطلقاً في حق إسرائيل السيادي في أن تضرب إيران.
[ [ [
ربما في ضوء هذه المعطيات جميعاً نعرف أسرار الدعوات المتتالية التي توجهها الدولة العظمى والقيادة الفعلية للربيع العربي، إلى بعض قيادات الحرب الأهلية في لبنان، والتي تشاركها الترويج لضرورة العمل لإسقاط النظام السوري ولو تسبب في الحرب الأهلية داخل هذه الدولة العربية ذات الأهمية الاستثنائية والتي شرع نظامها القمعي أبوابها أمام متصدري الصفوف بقوة ذهبهم.
ولعل حكام قطر يستفيدون من ذاكرة ضيفهم الحالي التي تحفظ أسماء المدن والبلدات السورية جميعاً، في حين أسقط منها عمداً أسماء البلدات والقرى اللبنانية التي هجر من نجا من أهلها من أتون الحرب الأهلية التي كان أكثر أبطالها دموية.
ولعل هذا الزائر الاستثنائي سيكون ضيف الشرف في أي لقاء جديد لمجلس التعاون الخليجي، خصوصاً أنه يعرف جيداً كيف تفكر القيادة في إسرائيل، وكيف تعمل آلتها العسكرية بشهادة «تجربة الشوف» المنسية، فضلاً عن تجربة كسروان التي اتخذها مقراً ومركز قيادة.. للحرب الأهلية المقبلة!

Exit mobile version