طلال سلمان

من محمود درويش إلى ثوار الساحات

كتب نصري الصايغ:

جاء في “حالة حصار” لمحمود درويش ما يلي:
“لم يَبْقَ بي مَوْطِئٌ للخسارةِ،
حُرٌّ أَنا قرب حريتي
وغدي في يدي. ..
سوف أَدخُلُ عمَّا قليلٍ حياتي
وأولَدُ حُرّاً بلا أَبَوَيْن،


في الحصار تكونُ الحياةُ هِيَ الوقتُ
بين تذكُّرِ أَوَّلها
ونسيانِ آخرِها


لنا أخوة خلف هذا المدى
أخوة طيبون، يحبوننا
ويبكون … ولا يكملون العبارة:
“لا تتركونا وحيدين
لا تتركونا”


هذه الساحات لنا. لنا وحدنا. لبنان كله ساحاتنا. لسنا غرباء عنها. تعرفنا ونعرفها. مئة يوم ونحن نستوطن فيها. هي وطننا الصغير. وطن يتسع لألوف، لعشرات الالوف، لمئات الألوف. إننا نشبهها وهي تشبهنا. اشتريناها بأحلامنا. حرسناها بعيوننا. افتتحناها بعقولنا. انتمينا اليها وانتمت الينا. جئناها، ففتحت ذراعيها لنا. عبطتنا واحبتنا. أقمنا فيها اياماً. كأنها فصول. تعرفت علينا عن جد. كانت تبحث عنا بين من يرتادها. وجدتنا. هي وطننا الكبير الذي يتسع للبنان، من اقاصي احلامه إلى اضلاع أوجاعه. الساحات سماؤنا، وهي لنا. رجاء تعرفوا عليها. إنها منصتنا وحضننا وهواياتنا وحياتنا وهي التي لن نخسرها، مهما حاولت رؤوس تسيرها اقدامها. كي تحتل بيتنا. نعرفهم من اقوالهم، ومن فوهات افواههم.

لن نتركها. حاولوا طردنا، فعدنا. احرقوا خيامنا فأشعلنا الآفاق بآمالنا. انها شوكة في عيونهم. كانت لهم. تعاملوا معها كمصرف وصفقة وممر لأثرياء وموطئ لنواب ووزراء واثرياء وعسس. استعدنا هذه الساحات هنا، وعلى امتداد التراب وبقامة الاحلام. أنشأنا سلطة نظيفة الرأس والكف وثابتة القبضات والاقدام. داهمونا، من كل حدب طائفي وصوب مذهبي، ومن كل الجهات. غريب. ما خاف أحد منا. ابعدونا فعدنا. انقصونا فزدنا. راهنوا على تعبنا فقوينا واستقوينا. حاولوا أن يفرطوا العقد الذي به تعاهدنا. لم يفرط غير الدخلاء والانتهازيين واصحاب الاحلام الضحلة… خيانة الساحات حرام سياسي مطلق. إما أن تكون معها او تكون ضدها، او من المتفرجين الصغار، او من حثالة تنتمي إلى مواقع التخريب والتشكيك والفتنة.

لن نحيد عن البوصلة. اننا نعرفهم. كلهم يعني كلهم. عندما سمعوها جنوا. حاولوا أن يستثنوا أنفسهم. خلص. عنوانهم: “كلن”. ثم، اننا لسنا مشغولين بهم ابداً. لهم جحيمهم ينعمون فيها نصباً واحتيالاً وتطيَّفاً وتحاصصاً وخوزقة. نهايتهم قريبة، مهما طال زمنهم. لن يصلحوا للغد، ولم يكونوا صالحين للأمس، جنس سياسي غير مسبوق. شيء من فلسفة الحرباء. اعداء يتجالسون ويتناقشون ويقتسمون ويتقاسمون. كل عدو منهم شقيق لعدوه في الحكم والسلطة والنهب والزعبرة وفقدان الكرامة.

جنس، لا يشبه البشر السياسيين العاديين. عباقرة النقيض، يقولون الشي وضده. الاصلاح يعني التخريب. الوحدة الوطنية تعبير عن التمزق الطائفي. الاصلاح يعني عدم الافصاح عن المنهوب والمسروق والتالف. أفدح ما فيهم انهم، كالحرباء، يتحالفون في ما بينهم فيما هم مختلفون. يوالون دولاً وانظمة من هنا وهناك وهنالك والوا الاسرائيليين ثم السوريين، ثم كل الدول ذات النفوذ. لبنانهم لا يمت إلى لبنان. انه معاد لدول يتجوَّل سفراؤها في ما بينهم وكأنهم ضيوف. ليس في هويتهم السياسية أي نفحة لبنانية. انهم حراس سوق لا أكثر. بإمكانكم وضع الكلمة المناسبة بعد كلمة سوق.

يجب الا نعيرهم الا القليل من الانتباه. حفظناهم من زمان ليس من هجاء يستطيع أن يصف أي درك بلغوه. لبنان يتساقط يوماً بعد يوم، وهم يتصرفون مع لبنان وكأنه غنيمة مسروقة. البلد يختنق، وهم يشدون الحبل حول عنقه. الناس تذل وتنسحق وتجوع. اولاد الشر (…) هرّبوا اموالهم وصادروا فتات تعبنا وودائعنا، ثم يطلون من فوهة الهاوية، ويبشروننا بالشرور القادمة: الهاوية والكارثة والمجاعة.

أفضل ما انجبته الساحات، ملاحقة هؤلاء في اماكن ارتيادهم للتسلية او لملء بطونهم. طردوهم: برا برا. يللا فلو. ممتاز,. فليكونوا عاراً مفضوحاً ولا تستثنوا احداً.

لنا الساحات ولهم الاوكار حيث يختبئون. نحن الضوء وهم العتمة.

بالأمس، وقريباً من بلوغ الانتفاضة مئويتها الأولى، حاولوا طردنا من الساحات بالقوة. مجلس النواب قلعة مقفلة. سيان أن كانت مقفلة ام مفتوحة. انه مجلس ساقط برمته. مهجور من أي أمل. هو وكر من أوكار الاختباء من المحاسبة والمراقبة والتشريع. اتركوه لهم حتى يتداعى أكثر في وعي الناس.

ويستغربون. يتساءلون عن العنف. والله عيب. هذه السلطة المتوارثة ترتكب الآثام والجرائم والنهب على عينك يا تاجر. تخشى على اصابع يدك إن صافحت أحدهم. سلطة تريد تطبيق النظام على المنتفضين والمنتفضات. تحاصرهم وتخدش قهرهم بمنظر يثير الغضب. بأي حق، يحق لمن يمثل المعتدي على المال العام والحق العام والخير العام. أن يقف في وجه عراة اقوياء بنقائهم الثوري ووجعهم العمومي وضعفهم السياسي، حيث لا نصير ولا معين، اذ أن السلطة باتت مأوى الاحزاب والطوائف وزبانية المال والمذاهب… تناقض يولد انفجاراً.

هذه الثورة سلمية جداً ولكنها قوية جداً. تتحمل كثيراً، وقادرة على الرد أكثر. لأن ليس عندها ما تخسره سوى اغلالها وفقرها وحرمانها وتعبها.

يراهنون على موت الساحات. فشروا ألف الف مرة. وليموتوا من هم ضد الساحات بقهرهم وحقدهم. هذه ساحات ولادة جماهير من المثقفين والعمال والكتّاب والموظفين و… اضيفوا أكثرية اللبنانيين.

هذه الساحات لنا. اليوم وغداً. الوطن يولد من الساحات.

نحن احرار قرب حريتنا وغدنا في يدنا. ولنا أخوة في كل لبنان.

لنا أخوة طيبون
يحبوننا ونحبهم
حتى اليوم، لسنا وحيدين
فلا تتركونا وحيدين،
لا تتركونا… عندما يعتدون علينا
غدنا وغدكم في يدنا.

Exit mobile version