لم يبتدع بنيامين نتنياهو إسرائيل جديدة،
ان اسرائيل »القديمة« ذاتها هي التي انتجت نتنياهو وفوضته رئيسù لحكومتها الجديدة خلال السنوات الاربع المقبلة.
لقد اختاره »الناخب الاسرائيلي« وهو يعرف بالضبط من هو، بتاريخه الشخصي (وضمنه مغامراته الجنسية!) وبرنامجه الانتخابي وخطابه السياسي، وأخيرù: بتحالفاته مع جنرالات الحروب والمغامرات العسكرية من أمثال ارييل شارون.
ببساطة، تصرف »الناخب الاسرائيلي« وكأن العرب هم الذين اغتالوا الجنرال القائد و»بطل السلام« الموعود، فقرر ان يعاقبهم برجل القوات الخاصة بنيامين نتنياهو ومعه عتاة التعصب الديني وغلاة العنصريين والمتطرفين من بين »العلمانيين«.
وها هو »المقاتل« نتنياهو يباشر »حكمه« بتجديد الحرب على الفلسطينيين مسقطù ما كان انجزه الثنائي رابين بيريز مع عرفات من اتفاقات اذعان بائسة.
وبديهي الاستنتاج ان من يرفض متأخرù وبمفعول رجعي اتفاقù هزيلاً مثل »اوسلو«، الذي يعطي اسرائيل اقصى ما كانت تتمناه، والذي أحسن وصف المفاوضات حوله شمعون بيريز حين قال: »كنا نتفاوض مع انفسنا..«
.. ان من يرفض هذا الاتفاق الذي اعطى، بعد انتخابات عرفات، مشروعية »شعبية« للاحتلال، وليس فقط شرطة فلسطينية تعمل في خدمته كالمرتزقة، لا يمكن ان يكون في خططه ان يذهب الى »السلام« مع سوريا ولبنان، (مع التقدير للتعهدات او الضمانات الاميركية)، ولا يكون بالتالي في صدد انهاء الصراع العربي الاسرائيلي (الذي يحتفل الاسرائيليون الآن بالذكرى المئوية لمباشرته ضد العرب من اجل تحقيق اسطورة توراتية عن »دولة اليهود«).
هل من الضروري التذكير بأن نتنياهو كان يأخذ على اسحق رابين »تفريطه« بالحقوق الاسرائيلية في »السلام مع الأرض«، وانه قد جهر بموقف مستفز لأرملته وأنصاره مباشرة اثر اغتياله، حتى لم تجد الأرملة ما تعبر به عن »جرحها« بنجاحه غير التلويح بحزم حقائبها والهجرة من اسرائيل التي قتلت »بطلها« مرتين!
للمفارقة فقط لا بد من التسجيل ان جثة رابين قد اسقطت وريثه الطبيعي وأنها هي ذاتها من اعتلاها خصمه الشرس للوصول الى موقعه، معززù الآن بالانتخاب الشعبي المباشر.
ان اسرائيل لم تخرج يومù من ساحة الحرب.
انها »تفاوض« وهي بلباس الميدان: ولذلك لم تقبل من »المفاوضين« العرب الا من وقَّع اولاً ثم حاول قراءة الصك الذي هرول لتلقّيه كجائزة وبوليصة تأمين لاستمراره فوق »عرشه« الهش.
على هذا يبدو مفهومù ان يصاب هؤلاء بالذعر،
ويبدو مفهومù ايضù ان يكون الاكثر اطمئنانù، والاكثر تماسكù في موقفهم، هم الذين من العرب ذهبوا الى المفاوضات مع »عدو«، وليس الى نزهة خلوية بعيدù عن عيون »الرقباء«، او الى »صفقة« تكون مجزية بقدر ما تكون منفردة، وكأنهم »يسرقون« من امام اخوتهم شركاء المصير.
ومع ان التطرف الاسرائيلي الذي تربع الآن على قمة السلطة يفتح الباب لأخطر الاحتمالات، فإن تماسك المنطق والسياسة، اي الموقف، والنظر الى اسرائيل (وكذلك الى الادارة الاميركية) في حقيقتها وليس بالتوهم، هو وحده الذي قد يستنفد ما تبقى من احتمالات »التسوية« في المدى المنظور.
التماسك لا الذعر.
المنطق لا الاوهام.
محاولة تجميع مقوّمات الصمود، ولو على قاعدة الحد الادنى،
وفي الوقت نفسه، الاستعداد للأصعب والأقسى.
كل ذلك معù يشكل مرتكزات السياسة الواقعية المطلوبة، في هذه اللحظة الحرجة.
ولعل قمة الرياض تجدد الاحتمالات التي أجهضت بعد سابقتها قمة الاسكندرية، والتي جمعت قواعد المثلث المصري السوري السعودي، فتكون خطوة مهمة على طريق الصمود، وأرضَ لقاء مع الذين لم »يهرولوا« بعد، او انهم يريدون التوقف عن الهرولة بعدما اكتشفوا فجأة انهم انما يركضون في اتجاه الهاوية، وليس في اتجاه السلامة.