المعادلة قد تكون الآتية: كلما ابتعد الحراك عن “محليته” كلما اقترب من عالميته!
لنفترض مثلا أن طالباً من أصول عربية ولنسمه سمير، يشارك في الحراك لدعم غزة في إحدى الجامعات الأمريكية. صديقه الاميركي مارك، يتعاطف معه من بعيد لكن ليس لدرجة أن يخصص وقته لمساندته أو الوقوف معه. لكن عندما تعرض سمير إلى الفصل والاعتقال المؤقت والملاحقة القضائية، انضم مارك إلى الاحتجاجات، لا لنصرة فلسطين وإنما لنصرة قضية الحرية التي شعر حينها أنها أصبحت مهددة.
والواقع أن المقولة التي تُنسب إلى فولتير “أنا لا أتفق مع ما تقول لكنني سأناضل حتى الموت كي يكون من حقك أن تقوله” تجد تعبيرها فيما يخص الحرب الدائرة في غزة. فجزءٌ مما يحصل اليوم هو معركة حريات سؤالها الأول: هل يحق للطلاب التعبير عن آرائهم ضمن الحرم الجامعي والاعتصام أم لا؟
هذا يعني أنه وإذا ما تحول الدفاع عن غزة إلى دفاع عن الحريات في الجامعات وفي الإعلام، ستجد قطاعات كبيرة نفسها في مطالب الطلاب، وستتحول غزة إلى قضية أكثر شمولاً.
إذا صحت هذه الفرضية، فإنها تلقي على الطلاب المتظاهرين مسؤولية إضافية: تنقية حركات الاحتجاج من كل ما يسيء إليها. بوضوح:
لا مكان لأي شعار ديني ولا طائفي، ولا مكان لأية شعارات معادية للسامية أو عنصرية. صحيح أن الاحتجاجات أثبتت حتى الآن سويتها الأخلاقية، لكننا نعرف جيداً كيف يسيء بعض المتحمسين إلى القضايا التي يدافعون عنها. حصل هذا في السابق مع فلسطين تحديدا، وحصل أيضاً مع الربيع العربي.
ولابد من ملاحظة الطيف الواسع الذي يشارك في إدانة الحرب الإسرائيلية على غزة، ومنهم عدد كبير من اليهود.
المؤسسات السياسية والادارية والاعلامية القائمة شديدة القوة، وهي تملك هامش مناورة واسع لا يملكه بالضرورة المحتجون. هذا يعني أنه كي يستمر الحراك، يجب تأطيره وتنظيم أولوياته. ليس هذا سهلاً، ولا نية لصاحب هذه السطور ممارسة الوعظ. لكن ما رأيناه خلال عقود وفي مناسبات عديدة يجعل من الحذر ضرورة. لابأس من محاولة استشفاف الغد والتساؤل ماذا سنفعل حين تتوقف الحرب؟
ذلك أن الحراك يقف على مفترق لحظة تاريخية هامة. للمرة الأولى تتعرض إسرائيل إلى ما تتعرض له على مستوى العالم. لم يحصل أن وصلت إدانة تصرفاتها إلى هذا المستوى. وعليه، فإما أن يؤسس الحراك لمرحلة قادمة تحاول تحقيق نوع من التوازن في التعاطي مع قضية فلسطين، أو سيتم الالتفاف عليه وإنهاء جدواه ووصمه بالأسلمة والإرهاب ومعاداة السامية. حادثة واحدة من هذا النوع تكفي.
مرة أخرى، القضية الفلسطينية قضية ضمير عالمي، وهي قضية بين مُحتل ومُحتل، بين طرف ينتهك حقوق وطرف حقوقه منتهكة. هي ليست قضية دين ولا طائفة ولا قومية. ولا يجوز بأي حال اختزالها تحت أي مسمى بإستثناء بعدها الإنساني وهو ما تلخصه حماسة الشباب في جامعات العالم اليوم.
قبلهم، كان شاعر الأرض محمود درويش الذي خرج من فلسطين إلى العالمية دون أن يترك فلسطين ولو للحظة، قد قال:
“وأَنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ
لا تَنْسَ مَنْ يطلبون السلامْ”
“فكر بغيرك” مهما اختلف هذا الآخر ومهما كان دينه وديدنه!
جلَّ جلالك فلسطين