أخيراً، وبعد طول انتظار (عبثي؟) أعلن المجلس الدستوري حكمه الذي كان مع الأسف معروفاً ومعمماً ومعتمداً من »مراجع« عدة، فيها الزمني وفيها الروحي، وفيها اهل السلطة كما فيها »معارضوها«..
لغيرنا ان يناقش هذا القرار الصادر عن أعلى مرجعية دستورية مشرَّفة بحماية الديموقراطية، بالقانون ووفق المنطق أو النص الدستوري.
لكننا، مثل كل الناس العاديين، لا نستطيع التسليم بسلامة الحيثيات السياسية التي اعتمدها المجلس الدستوري لحكمه الذي لن يقرأه أحد خارج السياسة.
فرد الفعل الفوري عند المواطن العادي وهو »يسمع« القرار بعد ان كان عرف مضمونه شفهياً، هو: ان المجلس الدستوري حكم على نفسه، وعلى موقعه السامي، أكثر مما حكم »ضد« النائب (الذي غدا سابقاً)، أو »لمصلحة« المرشح الثالث الذي كان سلّم بالنتائج بغير اعتراض، مكتفياً بأنه قد سجل موقفاً اعتراضياً على حصر المعركة بالأخوين العدوين، فأدان »خيانة« الحلفاء التاريخيين لعمه الراحل، الذين »باعوه« بالجملة، فلم يتركوا له الا أقل من ألفي صوت، في حين نال كل من المرشحَين المتصارعين أكثر من 35 ألف صوت!
لقد شرب المجلس الدستوري »الكأس المرة«، وحكم بإلغاء دوره الحيوي لصيانة الحقوق الديموقراطية للمواطنين، وجاء حكمه على نفسه مع الأسف مبرماً غير قابل للمراجعة والطعن والأسباب التخفيفية!
ان الحكم، بغض النظر عن مدى سلامته القانونية، يتجاوز الطعن الفعلي بنتائج انتخاب فرعي، ليشكل »طعناً« في مبدأ الانتخابات، إذ إنه يلغي »فعل« الانتخاب الشعبي المباشر.
وليس عدلاً ان يفرض المجلس الدستوري على اللبنانيين المعادلة التي لا تستقيم وهي ان يختاروا بينه وبين الديموقراطية، بين أنفسهم وحقهم في التعبير عن رأيهم وفي اختيار نوابهم، ولو وفق قانون انتخاب أعرج، وبين هذا المجلس الذي يضم نخبة من القضاة ذوي التاريخ والسمعة الطيبة، والذي أفقده هذا الحكم الفريد في بابه، حصانته، وحوّله من مرجعية أخيرة تتجاوز »الحكم« جميعاً بصلاحياتها ومهابتها وحصانتها المفترضة الى ما يشبه »هيئة الفتوى والتشريع« للسلطة، بعضها أو كلها، وللنافذين والمؤثرين على السلطة وقراراتها من داخلها الخارجي أو من خارجها الداخلي!
لا يتصل الأمر بالمرشحين، المطعون في حق بعضهم في مبدأ الترشيح أصلا، أو في فوز هذا أو تلك بغالبية الأصوات، ولا بالالتباسات التي رافقت فأخرت اعلان النتائج، ولا بجهة الاختصاص في اعلان النتيجة.
كل ذلك هيّن أمام انهيار الآمال التي عُلقت على هذه المؤسسة المهابة التي جعلها قانونها فوق جميع المرجعيات، وجاء حكمها خيبة أمل مريرة، فماذا يعني موقع نائب (بالزائد أو بالناقص) اذا كنا قد خسرنا أهم ضمانات الممارسة الديموقراطية؟!
هو مقعد فرعي ولكنه تسبب في اغتيال شامل لفكرة الانتخابات، وآخر الضحايا هو المجلس الدستوري