طلال سلمان

مجلس امن هو حرب

واهم من يفترض أن مجلس الأمن الدولي، بقيادته الأميركية وتابعها الفرنسي، هو المرجع الصالح لتسوية أي خلاف بين طرفين عربيين، فكم بالحري إذا كان الطرفان المعنيان، لبنان في موقع الشاكي وسوريا في موقع المتهم بالتوسع.. بدليل أنها قد ابتلعت مقالع الحجر العرسالي في الشرق، وأنها لم تسلِّم بعد رسمياً وبالوثائق المصدقة من طرف الدوائر العقارية في الأمم المتحدة بلبنانية مزارع شبعا في جنوب الجنوب، التي يُجمع اللبنانيون على اختلاف نحلهم ومواقعهم ومواقفهم السياسية على لبنانيتها.
لا يحتاج الأمر إلى وعي بحقائق التاريخ والجغرافيا ومبادئ المصلحة الوطنية.
إنه أبسط من ذلك بكثير: إنه في حكم البديهية.
اللجوء إلى مجلس الأمن يعني إعلان حالة الحرب ليس على سوريا وحدها، بل أولاً وأساساً في ما بين اللبنانيين أنفسهم.
فحتى مع وعي اللبنانيين بأن ثمة أزمة خطيرة في العلاقات بين البلدين الشقيقين، نتيجة الفشل في الارتقاء بها إلى ما يليق بكرامة الشعبين ومصلحة الدولتين، على امتداد التجربة البائسة في السنين الثلاثين الأخيرة،
وبرغم تفاقم المرارات وخيبات الأمل وتفجّر النزعة إلى الثأر أو ميل المطرود من الجنة إلى الانتقام،
وبرغم النقص الفادح في الحكمة وروح التسامح والتسامي والتعالي على جراح التجربة التي كان الأمل أن تكون النموذج الذي يقتدى به فانتهت إلى الفشل المر والسقوط الذريع الذي يجب دراسة أسبابه لاستنقاذ جوهر الأخوة من مهاوي الرغبة في السيطرة أو الرد بانفصالية تصوّر باريس أو واشنطن كأنها أقرب من دمشق وأبقى،
وبرغم الشعور بالخذلان في معركة إسقاط الرئيس المطعون في شرعية التمديد له،
برغم ذلك كله، فإن ما يتعذر حله بالحوار المباشر، وبروح الحرص على المصالح المشتركة بين البلدين المتكاملين، لا يمكن حله بالقرارات الدولية حتى لو صارت بحجم مجلد.
هل يحتاج أحد إلى دليل بأن القوة المهيمنة على مجلس الأمن هي الإدارة الأميركية التي تقاتل العرب في العراق، وتقاتل مع إسرائيل ضد فلسطين، وتعزل مصر وتضعفها، وتسترهن ليبيا القذافي، وتتحكّم بدول النفط في الجزيرة والخليج، وتحاصر سوريا لأسباب تتصل باحتلالها العراق وبالضغط على الفلسطينيين من أجل الاستسلام للمشروع الإسرائيلي ولو بحرب أهلية لا تبقي من فلسطين ما يستحق النضال لإقامة دولة لأهلها فيه؟!
وكيف يتسق الإلحاح على الاستقواء بمجلس الأمن، الأميركي القرار، مع التوكيد على الرغبة في الحوار الوطني بوصفه الأساس لإعادة بناء العلاقة مع سوريا على قاعدة من الاستقلال (بعد جلائها عنه) مع الحرص على أمنها، ومع استنقاذ المصالح المشتركة على قاعدة لن يكون لبنان
للاستعمار مقراً، أو لاستعمار أشقائه العرب، وفي الطليعة منهم سوريا، ممراً؟! .
وبغض النظر عما إذا كان مجلس الأمن بقيادته الأميركية قد نفض يديه من مشاكل العالم كله وتفرغ لمعالجة المسائل الداخلية في لبنان، وهذا غير ممكن وغير عملي فضلاً عن أنه غير قائم…
فما هي مصلحة لبنان المهدّد كيانه بالتمزق، والمهددة وحدته الوطنية بتصدعات خطيرة، والمتصارعة قواه السياسية على هويته ونظامه بينما خزينته فارغة واقتصاده مخرب وديونه تتجاوز الأربعين مليار دولار… ما هي مصلحة هذا اللبنان في أزمة تقارب حافة الحرب مع سوريا، في هذه اللحظة السياسية بالذات، وبينما نار الفتنة المذهبية الناجمة عن الاحتلال الأميركي للعراق تهدد باجتياح المشرق جميعاً، وبينما فلسطين تكاد تندثر في ظلال خريطة الطريق الأميركية التي تساعد إسرائيل على احتلال كامل الأرض تاركة الفلسطينيين في العراء مهددين بالطرد إلى دول الجوار ولبنان منها في الطليعة؟!
إن الذاهب إلى مجلس الأمن ليشكو سوريا هو بوعي أو من دون وعي كالذاهب على قدميه إلى حرب أهلية في الداخل، بمعزل عن الموقف السوري أو ردة فعل النظام الذي ما زال يعاني مرارة طرده من الجنة، والذي تصر بعض القوى السياسية في لبنان على مطاردته في قلب دمشق، ثم ترفع عقيرتها بالصراخ من توغل الهجانة في جرود عرسال وتطلب التدخل الدولي لتحريرها!
أليس من عاقل يمنع مثل هذه الحرب في لبنان لمصلحة الآخرين أبطال احتلال العراق وأبطال مسح فلسطين عن الخريطة، الذين طالما ساوموا سوريا على لبنان وسلّموا لها به، وقد يعيدون الكرّة من جديد؟!

Exit mobile version