تجيء وزيرة الخارجية الأميركية إلى المنطقة، هذه المرة، وعلى جدول أعمالها بندان أساسيان معلنان، وبند ثالث مضمر وإن كان سيطل عبر كل كلمة تقولها كما عبر كل همسة ستسمعها.
أما البند الأول فهو: تقييم أو إعادة تقييم ما جرى في لبنان وله خلال الحرب الإسرائيلية التي لم يعد الدور الأميركي فيها سراً من الأسرار، سواء في قرارها، أو في إدامتها لمدة ثلاثة وثلاثين يوماً طويلة، أو في القرار الدولي الذي عوّض إسرائيل سياسياً بعض ما خسرته في سمعتها العسكرية وبالتالي في دورها الإقليمي ليس فقط كقوة ردع بل كشريك استراتيجي في مشروع الشرق الأوسط الجديد، وقد كانت مرشحة لأن تكون نقطة ارتكازه.
وأما البند الثاني فهو: ضرورة حسم الصراع الدائر داخل السلطة الفلسطينية بين رئيسها المؤتمن على مشروع الصفقة مع إسرائيل بالرعاية الأميركية وبين حكومة حماس الخارجة على الطاعة والتي يشكل استمرارها خطراً على السلطة ورئيسها وكذلك على الحكومة الإسرائيلية التي لا تستطيع أن تتحمّل بعد نكستها في لبنان انفجاراً فلسطينياً ينشر فوضى دموية تصعب السيطرة عليها، وقد ينال إسرائيل من أذاها ما لا تستطيع تحمّله..
البند المضمر أكثر علانية، لكل متابع، من أن يمكن كتمانه وهو يتصل بإيران، ودورها الإقليمي الذي يشكل مصدر الخطر الأول على الدول التي ستلتقي السيدة رايس وزراء خارجيتها اليوم، في اجتماع استنفاري يؤكد حالة الطوارئ التي أتت لإعلانها استعداداً للمواجهة القاسية… التي لا شيء يمنع من أن تنتهي بصفقة بين الطرفين الأقوى على حساب الخائفين أو المخوّفين بالبعبع الإيراني المعزز تمدده بانكسار حدة العداء التاريخي المبهمة أسبابه بين السنة والشيعة، وذلك بتأثير الوهج الذي وفر له انتصار حزب الله في لبنان فرصة انتشار استثنائي، ويمكن لتوطد نفوذ حماس في فلسطين أن يمد هذا الانتشار في مشارق الأرض العربية ومغاربها وأن يعزز حركة التطلع إلى التغيير الذي يكاد يكون الهدف الأغلى على قلوب هذه الشعوب المقهورة بحكام القمع كما بالتخلف المريع.
لم تكن مصادفة أن تبدأ السيدة رايس بمركز الثقل، سياسياً وجغرافياً واقتصادياً، في مواجهة إيران (وأسطورة مشروعها النووي المخيف)، المملكة العربية السعودية.
ولا هي مصادفة أن تأتي اليوم بمجلس التعاون الخليجي، بنصابه الكامل، إلى القاهرة بوصفها المركز ، وأن تستدعي حارس المرمى الأردني المرشح دائماً لأن ينتقل إلى خط الهجوم (للتذكير فقط نشير إلى أن الملك الهاشمي كان أول من فتح القمقم ليطلق المارد المثير للفزع: الهلال الشيعي، الذي صارت قراءته ممكنة من خلال انعكاس نوره الشاحب على الأرض..).
فأما في لبنان فإن السيدة رايس تستطيع أن تطمئن هذا الحشد من الأصدقاء أن تعاونهم مع إدارتها في رفض المغامرة التي أقدم عليها حزب الله ، ثم في رفض الاعتراف بالنصر الذي أحرزته المقاومة، والمبادرة إلى نجدة الحكومة بالموقف السياسي ثم بالهبات والمساعدات، قد ساهم في تحجيم هذا النصر،
وبالتالي في استنقاذ الحكومة الإسرائيلية التي كاد يودي بها فشلها العسكري والسياسي.
ويمكنها أن تضيف أن الإدارة الأميركية قد نجحت في ترميم الأوضاع المتردية للخصوم السياسيين للمقاومة في لبنان، وفي تحريضهم على الانتقال إلى وضعية الهجوم وإلزام حزب الله ومن معه بوضع الدفاع ، وبالتالي محاصرته بنصره الذي لا يمكنه حمايته أو تثميره سياسياً، خصوصاً وقد طوّقه القرار 1701 الذي اضطر إلى قبوله وبالتالي إلى قبول تهاطل القوات الدولية على منصة هجومه الاستراتيجي في الجنوب، ووقوفها حاجزاً بينه وبين إسرائيل بما يعطل سلاحه المخيف والذي سيغدو عبئاً عليه، بعد اليوم..
الدور إذن على حكومة حماس في الأراضي الفلسطينية مقطعة الأوصال، وها هو محمود عباس قد اقتنع أخيراً بأن ينقل المواجهة من المجادلات السياسية العبثية إلى المواجهة بسلاح التجويع الذي يبرّر من بعد الاحتكام إلى السلاح لأسباب لا علاقة لها بالخلاف العقائدي، أو بنهج التفريط والتنازل الذي لن يبقي من فلسطين إلا رئيساً بلا سلطة على مناطق مشلعة بالخراب والمخاصمات المسلحة فضلاً عن النهش الإسرائيلي المنهجي للأرض ومقومات السلطة المستقلة ناهيك بحلم الدولة الذي يتحول تدريجياً إلى كابوس..
… ولسوف يكون ما جرى ويجري في العراق وله، دولة وشعباً وهوية سياسية، ذريعة إضافية لتخويف الخائفين من الخطر الإيراني، الذي إن لم يُواجَه حيث تمكّن فإنه سيتمدد نحو العواصم التي كانت تفترض أنها محصنة، فإذا بانتصار المقاومة في لبنان يهزها ويفقدها الأمان والشعور بالطمأنينة وهي ترى جماهير شعبها تهتف بالشعارات التي كانت تفترض أن الزمن قد طواها وأن أهلها قد انقرضوا ولم تعد لهم قدرة على التأثير في الحاضر، فكيف بالمستقبل.
جدول أعمال السيدة رايس حافل بالموضوعات الخطيرة،
فلنرَ كيف ستكون أجوبة الذين جمعتهم في دائرة الخوف المتعدد المصادر والذين تريد أن توحي لهم أنها وحدها مصدر أمانهم مجتمعين ومنفردين.