لم اقرأ الفصول الأربعة التي سبقت ديوان محمد ناصر الدين “فصل خامس للرحيل”، لكن الواضح أن علاقته بالشعر بدأت منذ أن أحسن نطق الكلمات والاستماع إلى تغريدات الطيور المهاجرة إلى حيث لا قناصين ولا أرصفة ملغمة بأفخاخ الموت.
واضح أن “زينب”، رفيقة ممرات الورد ومسافات الحياة الطويلة، صارت على بعد يتيح الاعتراف، ولو عبر شهيق بالبكاء، مثل نجمة فوق الدانوب.
في “تبادل الوحدتين” ينفتح باب سري في جوف الغرفة.. لتهريب الأمتعة. الطرقات مبللة، الغابة بأوراقها، كتاب التحولات ولا وفيد، عنق زينب، سورة النجم..”قبل أن ينام المرضى إلى الأبد تحت الأغطية البيضاء”.
محمد ناصر الدين يستحق واحدة من أغنتي المصلوب:
“حين ينتهي أبوه من العمل ابن النجار المسكين
لم يصنع من الخشب إلا صليبه..
يصعد الموتى في السماء كما تفعل الطائرة تماماً
يحفر الموتى مثل النمل مدنا بأكملها في الأرض..”
على أن الصمت بالنسبة لمحمد أجمل ما في الموسيقى:
“يرقد الشعر/ مثل ميت من خلف الستار
يبصر نعشه محمولاً من آخرين
تجتمع فراشات ووردة ومطر قديم/ في الهواء والتراب/ وفي بطن الارض
ينطق الشاعر عندها: بعض الجداول/ يحلو لها أن تصنع الربيع..”
ومع أن الشعر يحب الصمت كثيراً لكنه يحب أن يصنع لنفسه، استثناءً صغيراً:
“إذا أرهقته بالعصافير والرقة/ قد يهرب الشعر إلى اول متجر لبيع الأسلحة”
عن الحرب ومعها يستذكر محمد الأطفال:
“كل مساء يقوم الأطفال من الموت/ يحملون قواميس صغيرة في اكفهم
أصبع يسرى، عين يمنى، كبد صغير، عين زرقاء، شعر أشعث
يبحثون عن اليد التي امتدت إلى المعاني/ دون جدوى
يطفئون فوانيسهم/ يرجعون بصمت إلى التراب”.
ويستذكر محمد الأمهات:
“أيها الرب العظيم/ حين تتطاير الأجساد نحوك/ في الانفجار
مثل كرة ترتطم بالعارضة/ ثمة متفرجون كثيرون هنا
ستلوح كل الأمهات بالعباءات السوداء
كل ما عليك فعله الآن/ أن تعيد الكرة الكاملة إلى المربع الأخضر”
وورد التي ماتت على أسوار حمص:
“قلوب الأنبياء قوية كالحديد/ لذلك يكلم الأنبياء الرب بالثقة في مناماتهم
ثمة امرأة من حلب /تتردد قليلاً قبل أن تكلم الليل في صحوها
عن زهرة تركتها في الحديقة:
“تقول الحكاية: كان يا ما كان/ ماتت “ورد” على أسوار حمص
برصاصة طائشة/ لم يبق ديك في الحكاية
او نفر من الجن يستمع/ الرماد ساوى القاتل بالقتيل”.
الكمنجات.. القاتلة:
“كانوا يصوبونها إلى وجهي / إلى النقطة في منتصف الجبين تماما
يسندونها إلى أكتافهم / ويحنون رقابهم على مقبضها الخشبي
وكنت مثل كل الأطفال/ ادفن رأسي بين الكتفين / وأتمتم بالمعوذتين واسم أمي
الرجل الذي يجلس إلى المقعد المجاور يهمس في أذني: إنها كمنجات يا ولدي”
القتلة والمقتولون:
“قاسية هذه الجبال بما يكفي لتغفو تحتها المدن الجاهزة للمجازر
التاريخ رجال مستعجلون للركض في الجنازة.
بلى يا ادورنو نريد حصتنا من المشي إلى الموت/ مثل عارضات الأزياء لنصل معاً خط النهاية/ قتلة ومقتولين”.