من الصعب إلى حد الاستحالة، ومن الطرافة، إلى حد الإضحاك، أن ترسم خريطة »سياسية« لنتائج الانتخابات البلدية والاختيارية في جبل لبنان التي لمّا يكتمل إعلانها رسميا حتى الساعة!
لقد تداخلت التحالفات والتعارضات فغدت مثل شبكة كلمات متقاطعة، عليك أن تملأ فراغاتها أحيانا بالمعنى معكوسا، أو بحروف مبعثرة، أو بالسواد الذي يغطي العورات،
في مواقع تلاقى »المعارضون« مع »الحكوميين«، وتنافر »معارضو الخارج« مع »معارضي الداخل«، فتغلّبت عليهم جميعا »العائلات« وهي مؤسسة غير سياسية حتى حين تلعب أو تلعّب دوراً سياسياً،
في مواقع أخرى تصادمت الحكومة بعضها بالبعض الآخر فدوت الفضيحة مجلجلة، أو أن بعض الحكومة تحالف مع بعض معارضي النظام، أو أن قسماً من هؤلاء وجد نفسه يوالي رئيس الجمهورية ويصادم »حكومته«، أو يؤيد رئيس الحكومة ويقاتل »وزراءه«،
في موقعين، على الأقل، تواجَهَ رئيس الحكومة مع وزراء أساسيين:
} مع وليد جنبلاط في إقليم الخروب، حيث تحالف »تيار الحريري« مع »الجماعة الإسلامية« التي يفترض أن تأخذها شعاراتها إلى خارج النظام.
وإذا كانت »الجماعة« قد تباهت بانتصارها الكبير وأعلنت للناس بالملصقات أنها قد فازت بثلاث بلديات أساسية في الإقليم فإن البارز في الاعلان الخصومة للتيارات القومية والتقدمية التي يفترض أنها ذات جذور تاريخية في تلك المنطقة أكثر مما فيه من الولاء أو الاعتراف بالفضل للرئيس الحريري.
وليس ثابتاً أن هذا »الانتصار« عنصر قوة للرئيس الحريري، خصوصا إذا ما كان وجهه الآخر شرخاً في علاقته مع الوزير جنبلاط وما يمثله.
} مع فارس بويز في جونية، عاصمة كسروان، حيث لعب »الجو« الذي أشيع عن تأييد الرئيس الحريري للائحة النائب منصور البون ومعه النائب الياس الخازن، دورا كبيرا وربما حاسما في تأجيج العصبية الكسروانية ضد »الغريب« الوافد لمناصرة فريق هناك ضد آخر.. هذا مع الإشارة الى أن المستفيد الفعلي من العلاقة مع الرئيس الحريري هو »رئيس اللائحة« التي دعمها الوزير بويز!
وحسب اعتراف العماد ميشال عون فإن مناصريه قد لعبوا الانتخابات بقواعدها المعروفة، فتحالفوا تكتيكيا مع بعض »أحزاب« النظام، أو بعض »رموزه« السياسية، ولم يتمسكوا كثيرا بالموقف المبدئي… بل ان بعضهم وحسب العماد عون قد موَّه نفسه وشعاراته وتسلّل عبر العائلية ليضمن الفوز!
في المتنين كان لكل لائحة منطقها الخاص: فثمة مواقع تحالف فيها الوزير ميشال المر مع الحزب السوري القومي الاجتماعي، وفي مواقع أخرى أدى الاختلاف إلى المواجهة، وفي مواقع ثالثة حالف الوزير الحزبين القومي والكتائبي معا، وفي مواقع رابعة تصادم »الحلفاء« فبات من حق عون (وربما »القوات«) أن يصنّف نفسه منتصرا عليهم جميعا!
كذلك الأمر في الشوف وعاليه حيث كانت مظلة وليد جنبلاط ضرورية للحزب القومي، أحيانا، وحيث كان لا بد من الخروج من دائرتها لتأكيد الذات في أحيان أخرى،
أما في دير القمر فكان الوضع أكثر طرافة: يسحب الوزير جنبلاط مرشحي حزبه التقدمي الاشتراكي لمصلحة قطب معارضة الخارج (سابقا؟) ورئيس حزب »الوطنيين الأحرار« الذي يصل باعتراضاته إلى جوهر اتفاق الطائف، بينما »راعي« اللائحة المنافسة يوالي النظام برموزه كافة ويعارض جنبلاط وفي الشوف تحديدا.
هل هو إعلان لنهاية حروب العشرين سنة؟!
أم هي تمهيدات وإعداد لمسرح المعركة من أجل العهد المقبل؟!
مَن هو المعارض تماما ولمَن؟! مَن هو الموالي تماما ولمَن؟!
ثم مَن مِن هذه القوى السياسية يشغل بالها الهمّ الأكبر الذي يتجاوز المحليات والعائلات والأجباب والأفخاذ؟!
مَن يستذكر وهو يقيم تحالفاته أو يقرّر المعارضة للاحتلال الإسرائيلي الذي دأبت طائراته على الإغارة، يوميا، على أنحاء متفرقة من الجنوب والبقاع، ربما ليقول لنا جميعا إنه قادر على تخريب كل شيء إن نحن شغلنا بالتفاصيل عما يفعله أو قد ينفذه من مخططاته المخبوءة وأبرزها عرضه المشروط بتنفيذ القرار 425، والذي جمّدنا حركتنا في مواجهته والرد عليه في انتظار تصفية خصوماتنا حول بلديات القرى ومخاتيرها الجزيلي الاحترام!