طلال سلمان

مهانة مع خوف

إضافة إلى الخوف الذي يتملّك اللبنانيين جميعاً وينغّص عليهم حياتهم ويفرض عليهم خياراً قاسياً بين وطنهم وسلامة عائلاتهم، فإنهم يشعرون مع المجادلات التي تحتل مساحات الشاشات والإذاعات والصحف بشيء من المهانة.
فأما الخوف فإنه يشلّ حركتهم جميعاً، رأسماليين ورجال أعمال، أصحاب مهن أو حرف، أرباب عمل أو تجاراً، موظفين وعمالاً، مزارعين بائسين وملاكين يعيشون من ريع أملاكهم إلخ..
وأما المهانة فمصدرها تصوير الأزمة التي تكاد تخلخل الكيان وكأنها أزمة تعديل وزاري بإضافة وزيرين أو ثلاثة أو استبدال وزير بآخر!
هل يعقل أن الوطن الصغير الذي صمد لحرب إسرائيلية امتدت لثلاثة وثلاثين يوماً واستهدفت فيه الإنسان وأسباب العمران، والتي كانت فيها الإدارة الأميركية شريكاً، بل وصاحبة قرار في مد أمد هذه الحرب لعلها تنتهي بانهيار المقاومة وسقوطها كطرف أساسي وفاعل ومستقطب لتأييد شعبي عربي وإسلامي عظيم..
… هل يعقل أن يكافأ هذا الشعب الصامد في هذا الوطن الصغير والذي شهد العالم كله لمقاومته الباسلة بإنجازها الباهر نتيجة التضامن الحقيقي والالتفاف الشعبي الرائع، بمثل الأزمة التي نشبت بين حلفاء الأمس فجعلتهم خصوماً أو كادت؟!
وإذا كان الخلاف جدياً وعميقاً وشاملاً إلى هذا الحد بين الحلفاء في الانتخابات، الشركاء في الحكومة فلماذا أرجئ إعلانه إلى اليوم، بحيث تراكمت الريب والشكوك حتى انعدمت الثقة، وصار صعباً استعادتها بتعديل يبدل وزيراً بآخر ويعدل بنسبة تمثيل الأخوة الأعداء؟!
إن مَن يسمع المشاجرات والمهاترات والاتهامات المتبادلة في المقابلات والخطابات والندوات والمؤتمرات الصحافية يفترض أن هؤلاء المتنابزين اليوم بالألقاب لم يكونوا يعرفون بعضهم بعضاً، وكان كل منهم جاهلاً بمبادئ الآخر أو ارتباطاته أو انحيازاته أو شعاراته، وأنه فوجئ بها اليوم فقط.
إن هذا المواطن يشعر بالمهانة لأنه إن صدق ما يسمع فمعنى ذلك أن حكمه القائم قد بات غير شرعي، فبعضه يطعن بشرعية رئيس الجمهورية ويستفيق بعد زمن طويل إلى أن التمديد له غير دستوري، بينما هو في الحكومة بتوقيعه.
أما البعض الآخر فيطعن بشرعية الحكومة بعد استقالة ستة وزراء منها، خمسة منهم يمثلون طائفة بالذات، ومعنى ذلك أن الحكومة فقدت نصابها التوافقي وبالتالي فقد باتت غير دستورية..
… وحتى لو لم يصدق المعارضة فإن هذا المواطن يعرف أن البلد لا يحكم بحكومة عرجاء، ناقصة الأهلية، وناقصة المشروعية حسب اتفاق الطائف ومنطقه المرتكز إلى التوافق الوطني..
وكيف لا يزيد خوف المواطن إذا صدق الجميع، فإذا هو في دولة مطعون بشرعية رئيسها وبشرعية حكومتها، في حين أن المجلس النيابي مشروخ ومعطل بالصراع بين أكثرية لا تستطيع حتى لو أرادت أن تحكم البلاد وحدها وبين أقلية تمنع من أن يكون لها حق الفيتو ولو من موقع الشريك؟!
وحتى إذا سلّم المواطن بصحة هذه الاتهامات جميعاً فأين سيكون ملجأه، ومرجعه ومصدر أمانه؟!
والشارع قد يكون المسرح الصالح للتعبير عن الرأي ولكنه ليس المرجع الدستوري ولا هو مصدر الأمان..
وهذا سبب إضافي للخوف وافتقاد مصادر الطمأنينة على اليوم والغد.
مع الاحترام الكامل لمجلس الأمن الدولي!

Exit mobile version