طلال سلمان

مفاوضات اميركي ضعيف

في آخر لقاء بين بيل كلينتون واسحق رابين، في البيت الابيض بواشنطن، سأل الرئيس الاميركي ضيفه الاسرائيلي: قولوا لنا بصراحة، هل تريدون عرفات ام لا؟! ورد رابين: اجل، نحن نريده، ولا نملك له بديلا!. وكان ان قال كلينتون: اذاً فساعدوه، بل انقذوه، فهو كما تعرفون مهدد في حياته وليس فقط في مستقبله السياسي!
وافرج رابين بالفعل عن بعض حصة »سلطة الحكم الذاتي« من الضرائب التي تجبيها اسرائيل من الفلسطينيين، كما »توسط« لعرفات لدى »الدول المانحة« كي تمنحه بعض ما كانت قررت لسلطته المفلسة من مساعدات لدفع رواتب الشرطة والموظفين بدل التفرغ للمناصرين.
… وها هو رابين، الآن، يأخذ من عرفات اكثر بكثير مما اعطى سلطته الهشة، ويعرّض حياته مع مستقبله السياسي لخطر جدي وداهم.
ولا يتعلق الامر بعرفات ومصيره بل بطبيعة العلاقة بين اسرائيل اقوى على الادارة الاميركية مما يجب وبين ادارة اميركية اضعف مع الاسرائيليين مما يجوز.
فبقدر ما يشعر رابين (او شامير من قبله) بانه اقوى في واشنطن من الرئيس الاميركي ذاته، يفقد الدور الاميركي في »عملية السلام« تأثيره الفعلي، ويتحول الى مثل ما كان في اتفاق اوسلو مع عرفات، ثم في اتفاق وادي عربة مع الملك حسين، اي الى مجرد »كاتب عدل« يصدق على اتفاقات جرت من دونه وقبل الوصول اليه، ولا يستطيع ان يعدل او يبدل فيها.
بل لعل بيل كلينتون كان في وادي عربة مجرد شاهد زور. فالاتفاق الفعلي بين النظام الاردني والاسرائيليين قديم جدا وسابق على انخراط الرئيس الشاب في العمل السياسي!
ولهذا تعجز الادارة الاميركية، حتى لو افترضنا انها تريد، عن رعاية اية مفاوضات جدية بل طبيعية بين اي طرف عربي، والاسرائيليين. وابسط دليل ان الاتفاقات التي قبلت فيها كشاهد على التواقيع هي تلك التي تم التوصل اليها خارج الاطار الرسمي و»الشرعي« لمؤتمر مدريد وخارج الرعاية الاميركية ذاتها.
هل دخلت ادارة كلينتون مرحلة الشلل في انتظار الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد نحو من سنتين، لا سيما في ضوء الهزيمة الساحقة التي مني بها في انتخابات الكونغرس؟!
إن الحكومة الاسرائيلية تتصرف وكأنها قد »تحررت« من اي ضغط اميركي، وانها وقد باتت في موضع الاقوى تستطيع ان تفرض على الادارة الاميركية امرا واقعا جديدا (على الارض الفلسطينية)، وتأخذ في الوقت نفسه مكافآت سخية في المساعدات والسلاح الاكثر تطورا والضامن لمزيد من التفوق على مجموع العرب بافتراض إمكان جمعهم!
والتصرفات الاسرائيلية داخل فلسطين المحتلة، كما داخل الاردن، كما في علاقتها بمصر، وقبل ان نصل الى تعنتها في مواجهة المطالبة السورية (واللبنانية) البديهية، تدل على انها قد ألقت مبدأ المفاوضات خلف ظهرها، وانها قد تجاوزت الاتفاقات السهلة التي حصلت عليها مجانا، لتمضي في فرض مفهومها الخاص للسلام الاسرائيلي في »الشرق الاوسط الجديد«.
إن المتبرعين بتواقيعهم على اتفاقات الاذعان يجنون الآن الثمار المرة للتفريط، كما انهم يتسببون في اضعاف الاطراف العربية الصامدة التي كان يمكن ان تحسن شروط التفاوض، بل ان تستبقي التفاوض قائما،ً بالاستناد الى مختلف عناصر القوة العربية الذاتية (على قلتها)، كما الى الرعاية الاميركية التي تفقد مبررها اذا ما تهاوى المفاوض العربي او سلّم من قبل ان تبدأ المفاوضات.
والغارات الاسرائيلية على جنوب لبنان، والقصف العشوائي الذي واكب بالنار الجولة الطائرة لوزير الدفاع الاميركي »فوق الجولان، عن بعد« يكشف بوضوح الفارق في القوة بين الموقفين الاميركي والاسرائيلي.
وفي ظل مثل هذا الفارق في القوة لا مجال للاوهام، لا داخل فلسطين ولا خارجها.
مع التحية للجنة اللبنانية المكلفة مهمة مستحيلة في واشنطن التي بات قرارها وسيبقى، حتى اشعار آخر، اسرائيلياً في هذه المنطقة العربية التي نسيت نفسها وذهبت تستعير قوة الغير، فإذا ذلك الغير رهين القوة الاسرائيلية التي انشأها وابتناها، فلما اشتد ساعدها فرضت عليه موقع الشريك الضعيف، إن لم يكن دور »مصدق العقود« استنادا الى شهود زور ومنتحلي صفة اصحاب الحق الاصلي بالتوقيع!
واذا تعطلت المفاوضات بين تل ابيب وواشنطن، فكيف تراها تستمر بين الاسرائيليين والعرب الذين كانوا يتكئون على القوة الاميركية لإجبار اسرائيل على التفاوض معهم؟!
طلال سلمان

Exit mobile version