طلال سلمان

معركة ثانية ضد إسرائيل في لاهاي

غزة ـ حلمي موسى

اليوم الخامس عشر بعد المئة، والأمل يتجدد كل يوم بانتهاء الغمة وقرب الفرج وانكسار العدوان. ومن المتوقع أن تطارد الملاحقات القضائية قادة الاحتلال في كل مكان، إلى جانب أشكال مقاومة شعبنا الأخرى، حتى نيل حقوقنا كاملة.

**

وتنتظر العدو معركة قضائية جديدة، لا تقل أهميّة عن اتهامات الإبادة الجماعية في لاهاي، حيث يواجه، في ١٩ شباط المقبل، قرارا جديدا في “محكمة العدل الدولية” بشأن “شرعية الاحتلال واستمراره”.

وتنتظر إسرائيل برهبة مثولها من جديد أمام “محكمة العدل الدولية” في لاهاي. وثمة خشية متصاعدة من أن تكرار مثولها أمام المحكمة الدولية سوف يلحق بها أضرارا معنوية واقتصادية، وربما سياسية، هائلة نظرا لوقع ذلك لدى الرأي العام الدولي.

وتجتمع المحكمة في لاهاي بعد حوالي ثلاثة أسابيع من اليوم لمناقشة اتهامات ضد إسرائيل، بناء على طلب السلطة الفلسطينية، تتعلّق بالوضع القانوني في المناطق المحتّلة.

ويدور جدل داخل الكيان حول الفارق بين هذا الإجراء وبين الدعوى القضائية ضد الحرب. ولا يقتصر الجدل على المسألة النظرية، بل يتخطاه الى تحديد إذا كان يتعين على إسرائيل أن تمثل أمام المحكمة، وحول التبعات الاقتصادية التي قد تترتب على هذه المشاركة.

وتجتمع محكمة العدل الدولية في لاهاي لتتركز المناقشة هذه المرّة على الاتهامات ضد الوجود الإسرائيلي في كل من الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، في جلسة تستمر ستة أيام.

وتعقد الجلسة في إطار طلب الرأي القانوني الذي أرسلته الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى المحكمة بناء على طلب الفلسطينيين في نهاية العام 2022.

وجاء هذا الإجراء بمبادرة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي طلب من الأمم المتحدة الحصول على رأي من المحكمة من أجل ممارسة الضغط القانوني والسياسي على إسرائيل. وتمت الموافقة على الطلب في كانون الأول 2022 بغالبية 87 دولة، مقابل معارضة 26، وامتناع 53 عن التصويت. ويختلف هذا الإجراء عن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل.

اذ تتعامل المحكمة مع نوعين من الإجراءات: تقديم فتاوى للأمم المتحدة باعتبارها هيئتها القانونية؛ والبت في المطالبات بين الدول عندما يتم منح الموافقة من قبل الطرفين في جلسة الاستماع.

وفي حين أن القرار في الدعاوى القضائية ملزم، إلا أن الرأي القانوني غير ملزم للدولة.

وبرغم أن قرار المحكمة في هذا الشأن غير ملزم، إلّا أنّ ستة أيام من جلسات الاستماع، وشرح الاتهامات والمواقف، من المتوقع أن تحدث تظاهرة عالمية غير عادية مناهضة لإسرائيل، تقرر في نهايتها المحكمة ما هو الوضع القانوني.

ومن المتوقع أن تقف أكثر من 50 دولة وتعبر عن مواقفها، بالإضافة إلى ثلاث منظمات مؤيدة للفلسطينيين انضمت إلى العملية هي “منظمة التعاون الإسلامي”، و”جامعة الدول العربية”، و”الإتحاد الأفريقي”.

ومن المتوقع أن يصدر رأي المحكمة في نهاية العام 2024.

والسؤال الموجه إلى المحكمة هو: ما هي الأهمية القانونية للاحتلال المستمر في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة (قبل 7 أكتوبر)؟  وبحسب خبراء قانون إسرائيليين، يريد الفلسطينيون أن يشكّلوا سابقة، وأن يجعلوا المحكمة تقرر أن الوجود الإسرائيلي المستمر في المناطق المحتلة ليس مؤقتا، وبالتالي فهو غير قانوني.

ومن خلال القيام بذلك، يسعى الفلسطينيون إلى إحداث تغيير في الافتراض القائل بأن السيطرة على مناطق السلطة الفلسطينية يصار إلى تحديدها باتفاق الطرفين. وهم يحاولون فرض عقوبات على إسرائيل من أجل إخراجها من المناطق المحتلة.

ويقول خبراء في المجال الدولي إن هناك احتمالا كبيرا أن تقرر المحكمة أن الوجود في مناطق السلطة هو غير قانوني.

ويتساءل خبراء إسرائيليون عن نوع العواقب المحتملة على الكيان، مشيرين إلى أن فرصة فرض العقوبات في الأمم المتحدة منخفضة في ضوء الفيتو الأميركي في مجلس الأمن،

إلّا أنّ أهمية صدور قرار مناهض لإسرائيل من المحكمة تكمن في احتمال أن يدفع بالدول والشركات المتعددة الجنسيات وصناديق رأس المال إلى تغيير سياساتها تجاه إسرائيل في العالم، وأن يضر بصورتها ويضفي الشرعية على مقاطعة الدول المتنوعة وحركة المقاطعة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن اتخاذ قرار ضد إسرائيل في ما يتعلق بالاحتلال ممكن أن يؤدي إلى اتخاذ المحكمة الجنائية الدولية إجراءً للنظر في محاكمة الإسرائيليين.

ووفق المحامي الدكتور روعي شايندروف، النائب السابق للمستشار القضائي للحكومة لشؤون القانون الدولي فإن ” هناك الكثير من الدول التي ترى في الرأي الاستشاري للمحكمة الدولية تعبيرا عن الوضع القانوني القائم، ولذلك فإنها تعمل بموجبه. إذ يمكن مثلا للعديد من الدول الأوروبية أن تنطلق من الرأي الاستشاري لتتخذ خطوات فعلية لتنفيذ موجبات هذا الرأي.”

ويمكن لهذه الخطوات أن تتمثل في نظره بعدد من الإجراءات مثل:

-رفض منح تراخيص تصدير واستيراد من وإلى إسرائيل لأنواع معينة من البضائع والمعدات.

-تحذيرات لجهات اقتصادية بشأن مخاطر قانونية في تنفيذ صفقات مع إسرائيل.

-مطالبات بوضع علامات على منتجات مصدرها الضفة الغربية.

-حظر استخدام أموال ضرائب هذه الدول لتمويل نشاطات في الضفة الغربية، وفي حالات قصوى، منع تمويل نشاطات في كل اسرائيل.

يضيف شايندروف أن “الشركات الدولية وهيئات الاستثمار يمكنها أن تعيد تقييم السياسات بشأن النشاطات داخل اسرائيل.  وجزء من هذه المواقف سنسمع بها وجزء آخر سيحدث دون أن ندري به أصلا”.

بدوره، يوضح المحامي شارون سوفرين، الخبير في قوانين التجارة الدولية، أن “لإسرائيل اتفاقيات تجارية مع دول كثيرة تتعلق بدخول منتجات إسرائيلية إلى تلك الدول من دون ضرائب”.

يضيف أن “القرار المتعلق بالمناطق يمكن أن يلغي هذه التسهيلات ويزيل المنتجات الإسرائيلية المصدّرة من المناطق عن قائمة المنتجات المعفاة من الضرائب في اسرائيل ذاتها حتى. وحاليا، هناك دول تصر على معرفة المكان الذي جاء منه المنتج الإسرائيلي، لكن قرار المحكمة الدولية يمكن أن يغلق هذا الباب”.

ومشكلة الكيان الفعلية حاليا تتمثل في أن استمرار تعرضه وقادته لملاحقات قانونية دولية ووطنية في دول مختلفة، يقضي على صورته كدولة ديمقراطية في الغرب.

فالاتهامات بإبادة جماعية وارتكاب جرائم حرب لا يمكن ان تمر ببساطة في ضوء تحركات جماهيرية عالمية مناهضة لإسرائيل وجرائمها. وفي نظر خبراء قانون إسرائيليون، يشكل تراكم الاتهامات واجتماعها حالة تسهم في تغيير موقف الرأي العام الأوروبي والغربي من إسرائيل ويدمر، على المدى الطويل، صورتها وأي تعاطف معها.

ومن المهم التذكير بأنه كان لتولي جنوب أفريقيا بالذات رفع دعوى اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، دور في الربط بين هذه الجرائم وبين نظام الأبارتهايد والفصل العنصري.

فاجتماع الاتهامات بالإبادة والجرائم ضد الانسانية والفصل العنصري وجرائم الحرب، كفيلة بان تخلق كرة ثلج تتدحرج الى درجة لا يعود من الممكن معها تقبل إسرائيل، وهو ما جرى أصلا مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

وسوف يلحق ذلك، بالتأكيد، اضرارا ملموسة بالشركات، وبالتالي بالاقتصاد الاسرائيلي. ومن المؤكد أن هذه الأجواء تخدم حملات مقاطعة إسرائيل التي تتعاظم في أرجاء العالم.

وحتى الآن، لم تتخذ إسرائيل بعد قرارا إن كانت ستمثل أمام المحكمة الدولية في التاريخ المحدد أم لا. وهي مازالت تدرس عواقب المثول من عدمه.

Exit mobile version