طلال سلمان

لبنان”الاميركي”والتاشيرة اسرائيلية

إذن فلبنان حسب أقرب الدبلوماسيين الأميركيين إليه، روبرت بيليترو، لا وجود له بذاته ولا دور. هو في الأمن »مشكلة داخلية« لإسرائيل، في حين أنه في السياسة »شأن سوري داخلي«، أقله حتى إشعار آخر.
والأمن الإسرائيلي يمكن توفيره بغارات الطيران الحربي وبالقصف المدفعي وبالتمشيط اليومي للبيوت والطرقات والشواطئ، للبلدات والقرى والمزارع، للبشر والشجر والمزروعات وقطعان الماشية وأسماك البحر!
.. و»اتفاق تموز« الشهير، وبوساطة أميركية معلنة، يجيء تمهيدù أمنيù لغارة سياسية قاسية تحمل عنوان »اتفاق أوسلو« بين الإسرائيليين وقيادة التفرّد والتفريط وحرس الحدود الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي.
لبنان ليس الآن »حاجة إسرائيلية«. وملفه مرجأ في انتظار التوقيت المناسب لتحويله إلى مشكلة سياسية أمنية متفجرة لأهله كما للسوريين.
القرار إسرائيلي والصياغة أميركية وكذلك مهمة التسويق.
أما الدور فمعلّق بانتظار أن يتوحّد الحكم فيه، وأن يعاد الاعتبار إلى شعبه المغيَّب في غياهب أزماته المعيشية اليومية والخواء السياسي الشامل، وأن يتواضع »قادته« المبرَّزون فيتصرّفون انطلاقù من الواقع الاقتصادي المتردي ومن حقيقة التخلّف شبه الشامل الذي لا تخفيه ادعاءات الاحتياج العربي إلى لبنان ولا تموّهه الزجليات عن لبنان الضرورة العالمية.
أي مركز للإشعاع الفكري والازدهار والحركة المالية هو هذا الذي لا يستطيع شعبه أن ينتخب مجالس بلدية ومخاتير للمدن والقصبات والقرى المشلولة طاقات شبابها والمطلوب منها ضرب الطبول احتفاء بالإنماء المتوازن الذي كان محظورù وأطلق سراحه الآن لبناء جنة جديدة فوق سطح الأرض (بديلاً عن تلك التي تطمس عمدù تحت بيروت هونغ كونغ العالم الجديد؟!).
* * *
جرفتنا طرائف المحليات بعيدù عن السياق، فلنعد إلى أصل الموضوع..
وأصل الموضوع: أنه لا يدخل العربي، أي عربي بالمطلق بمن في ذلك »اللبناني«، إلى النعيم الأميركي إلا بتأشيرة إسرائيلية؟
ذات يوم غير بعيد، كان العرب يطالبون الأميركيين بالتخلي عن انحيازهم لإسرائيل من أجل علاقة عربية أميركية متكافئة ومقبولة،
وكان الأميركيون يظهرون استعدادù للنقاش، ويحاولون الإيحاء بأنهم غير منحازين إلى الحد الذي يتهمهم به العرب،
اليوم تحاسب واشنطن كل عربي، مسؤولاً كان أم مواطنù عاديù عن موقفه الشخصي من الاحتلال الإسرائيلي (وليس من وجود إسرائيل ككيان سياسي، مثلاً)!
كل رافض للاحتلال هو إرهابي، وكل ضحية لغارة إسرائيلية إرهابي، وكل معترض على تفريط القيادة الفلسطينية إرهابي،
أما المثال النموذج للتعاون فهو تصرف النظام الأردني: أن يتولى بنفسه القيام بدور المخبر، ثم المتعقب، ثم »مقاول الأنفار« فيسلّم أي مشبوه من مواطنيه إلى السلطات الأميركية لتحاسبه على ما قرّرت هي، والأرجح بالاستناد إلى التحقيقات الاسرائيلية، أنه قد ارتكبه من أعمال إرهابية.
* * *
ليس موسى أبو مرزوق إلا وسيلة للاعلان عن السياسة الأميركية الجديدة إزاء العرب: فالمحاسبة ليست على الجرم، وليست حتى على الشبهة، أو على النوايا، المحاسبة تتصل بالاحتياجات السياسية الإسرائيلية من خلال المنظور الأمني.
إنه تدجين أميركي مسبق للرعايا العرب للهيمنة الإسرائيلية،
وهو تدجين شامل يتجاوز الأنظمة والحكومات العربية إلى الإنسان العربي ذاته، وسواء أكان فلسطينيù أم لبنانيù أم سودانيù أم مصريù أم جزائريù ناهيك بالليبي والعراقي الخ..
ولو أن إسحق رابين يريد فعلاً موسى أبو مرزوق لسلّمته واشنطن إلى تل أبيب. لكن تسليمه مشكلة سياسية وأمنية للإسرائيليين، أما احتجازه في نيويورك فهو تأديب للعرب كلهم، في حين يكتفي رابين بهز العصا، توكيدù لأن الأميركيين ينفذون أمر عمليات صدر عنه بالذات.
المطلوب أن تلغي نفسك بنفسك. تطمس إسمك، تلتهم صفحات تاريخك، تخرج من جلدك، تنكر أباك وإبنك. تصبح »لا أحد«: أقل من لاجئ بلا هوية وبلا قضية. بلادك ليست لك، و»الغرين كارت« الأميركية لا تنفعك كوسيلة حماية من الإسرائيليين بل هي تتحوّل الى مذكرة جلب.
* * *
يروي وزير الخارجية في دولة عربية خليجية أن بلاده حاولت عبثù أن تحظى بالحماية الأميركية، فلما أعيتها الحيل توجه إلى الأميركيين بسؤال مباشر عن »الباب«، وكان الجواب: إذهب إلى شمعون بيريز فتصل!
يضيف هذا الوزير الشاطر أنه ما ان أنهى لقاءه الأول مع وزير خارجية إسرائيل وعاد إلى فندقه، حتى جاءه من يبلغه أن موعده مع نائب الرئيس الأميركي قد تحدد صباح اليوم التالي.
كان بعض مخضرمي السياسة العربية يحتالون على شعوبهم فيدعون أنهم يقصدون واشنطن في حين أنهم ذاهبون حقيقة إلى الإسرائيلي،
اليوم، في عصر الشفافية، لم يعد للعربي من باب إلى واشنطن إلا عبر تل أبيب.
ويسألونك، بالفرنسية، عن دور لبنان السلام؟!

Exit mobile version