طلال سلمان

لبنان ولقاءات لندن

اليوم تحديداً، وفي ضوء »لقاءات لندن«، بنتائجها المعروفة سلفاً، يمكن للبنان ان يهنئ نفسه بانه لم يعلق في الشرك الاسرائيلي المسمى »التفاوض«، حتى لو كان الهدف المعلن تأمين انسحاب الاحتلال من الارض الوطنية.
ان السلطة الفلسطينية كادت تتسول هذه اللقاءات لكي تفاوض مجدداً على ما سبق ان اتفقت عليه، وبشروط بائسة، مع الحكومة الاسرائيلية، والذي لم ينفذ منه الا أقله، وبعد افراغه من مضمونه السياسي،
صار التفاوض هدفاً بحد ذاته، تطلبه »السلطة« بأي ثمن، وتتنازل عن أبسط مطالبها لقاء الجلوس، مجرد الجلوس، الى طاولة المفاوضات..
بل هي قد طلبت شفاعة الولايات المتحدة الاميركية، بعدما يئست من اوروبا، لكي تستأنف المفاوضات، أو تستمر، مع وعيها المسبق بانها ستسجل على نفسها فيها مزيداً من التنازلات، وستتسبب في الاساءة الى الحق التاريخي لشعبها في ارضه.
وفي حين تنحو حكومة التطرف الاسرائيلي بقيادة نتنياهو منحى هجومياً شرساً، فان الاطراف العربية المكبلة باتفاقات الاذعان التي هرولت الى توقيعها، يتردون في مواقعهم الدفاعية البائسة بما يلزمهم بمزيد من التنازلات المجانية.
انهم يدافعون عن خطأ التورط بخطيئة حماية مؤخرة الهجوم الاسرائيلي، المستمر لتحقيق المزيد من المكاسب السياسية،
كلما واجه نتنياهو أزمة في علاقاته مع العالم، او حتى مع الاسرائيليين، بادر »الموقعون العرب« الى نجدته، منفردين او مجتمعين، بعضهم يذهب اليه مباشرة، كالملك حسين، وبعضهم يبرز للطرف الفلسطيني »حسنات« التنازل او يبرر له المزيد من التنازل، بذريعة ان انقطاع المفاوضات هو الانتحار عينه!
ان »الموقعين العرب« يعملون كحرس شخصي لنتنياهو، وكداعية لمشروعه السياسي، اي لتطرفه: يرمون الى الذئب بالمزيد من لحمنا قبل ان يطلبه، لعله يشبع فيعفو عما تبقى.
انهم يندفعون الى الحد الاقصى في تأييد نتنياهو لعل ذلك يجبر اطرافاً عربية اخرى على »التوقيع« مرغمين، »فينقذون« انفسهم باغتيال اخوتهم.
وهم يتخذون من »الضعف الاميركي« في مواجهة التطرف الاسرائيلي، او »الهيمنة الاسرائيلية« على ادارة كلينتون، ذريعة اضافية لتقديم المزيد من التنازلات،
…والملك حسين ينط، فجأة، الى تونس ليغري زين العابدين بن علي بأن يلبي طلب مارتن انديك فيعيد بعثته الدبلوماسية الى اسرائيل، ويعيد الاعتبار الى مكتب التمثيل الاسرائيلي في تونس،
وزين العابدين يذهب الى أبعد من ذلك فيشارك في احتفال استثنائي في خصوصيته لمناسبة إقامة اسرائيل على أرض فلسطين، على أرض تونس الخضراء…
بالمقابل فإن نائب الرئيس الاميركي، آل غور، الذي لم يعرف بوده العميق للعرب عموماً وللفلسطينيين خصوصاً، يضطر تحت الحاح اطرف عربية فاعلة للعودة الى فلسطين للقاء ياسر عرفات، مراعيا المصالح الاميركية في المنطقة العربية.
ان نتنياهو يذهب الى لندن على حصان أبيض: لقد أهان وزير خارجيتها، واجبر رئيس حكومتها على التراجع عن اقتراح »اللقاء الرباعي«، ولبى الرغبة الاميركية للاجتماع بعرفات، ولكن بشروطه، وبعد اعلان رفضه ما سمي »المبادرة الاميركية« التي باتت الآن »سقف« مطالب السلطة الفلسطينية مع ادراكها انها أقل مما يجوز لها ان تقبل، وان تنازلها هذا لن يشجع نتنياهو على تعديل موقفه بل سيزيده ثباتاً عليه: سيقبلون بالنتيجة، مرغمين، ما يعرضه… اما التنفيذ فمرجأ حتى يستكمل خطته الاستيطانية التي تجعل اي اتفاق موقع مجرد ورقة قديمة تصلح للأرشيف لكنها لا تصلح للحياة.
ان »لقاءات لندن«، اضافة الى مسيرة التفاوض الاسرائيلي مع الفلسطينيين خاصة، ثم مع سائر »الموقعين العرب«، يفترض ان تزيد من ثقة لبنان بصحة موقفه، وان تكشف له حقيقة نتنياهو، ان كان ما زال بحاجة الى اكتشافها.
انه يرفض ان »يتنازل« للفلسطيني عن واحد في المائة من أرضه، برغم كل الاتفاقات والمواثيق من اوسلو الى الخليل، ويساومه عليه حتى يكاد يلغي له قضيته، فمن اين جاءه هذا »السخاء« مع لبنان، والعرض بأن ينسحب من مائة في المائة من الأرض اللبنانية المحتلة؟!
انه يرفض الاعتراف بتوقيعه، فلماذا هذا الاحترام المفاجئ لقرارات الامم المتحدة التي بالكاد تعترف بها اسرائيل، برغم انها وليدتها؟!.

Exit mobile version