خلص. يعني انتهى. لم يعد لبنان قابلاً للحياة. إنه يختنق. كل محاولات انعاشه فاشلة. هناك من يصادر حشرجاته. هناك من يود أن يرث التركة. هؤلاء، وكلاء حشرجته وعذابه. يراهنون على أن الجثة ستكون من حصتهم.
هذا هو لبنانكم الملعون، فخذوه. موته ضروري. لا علاج له. ولا مبالغة ولا شماتة. حزننا شاهق عليه. راهنا أن يكون منارة. أن يستعيد ألقه. أن يكون وطنا عادياً. وطنا برتبة معقولة. مكان اقامة مؤقتة. كنا نعلق آمالنا الواهية على حياة لا بأس بها. لم نكن مثاليين. قلنا، فليكن وطنا بالغلط، فليكن بؤسه سطحيا لا عمق له. قلنا، ليس عندنا غيره، ما حوله من دول وكيانات، كارثية ودامية وموغلة في التوحش. لا أخ له ولا اخوة ولا اخوات. كلهم يريدونه في معياتهم. يتنافسون على تشليعه وتشليحه لبنانيته. وهو في كل الاحوال، مصاب بداء اسود تمنع لبنان أن يكون لبنانيا.
خلص. منذ سنوات، بل منذ عقود ما بعد حربه المجنونة، وهو معروض للشفاء. بحيث. اوكلوا لقتلته، داخلياً وخارجياً، اعادته إلى الحياة.
كان ضعيفا وهشاً، امام اجتياح الميليشيات وعسكر الفتنة وطوائف الذبح على الهوية. سلموه لقتلته، وضعوه تحت رعاية مزدوجة، سورية واميركية، يا عين يا ليل. على ثيابه اقترعوا. طوال عهد الوصاية المزدوجة لم يكن لبنان لبنانيا، ولا كان دولة، ولا كان بصورة وطن. ظنوا أن توزيع المهمات حياة له. طائفة للاقتصاد والمال طائفة للمقاومة، طوائف طفيلية لما تبقى… هذا البلد الصغير جدا، صار بلاداً متعددة، بوصايات مبرمة بتمثيل انتهازي، وبولاءات كاذبة. لم يكون ذلك بلا فائدة ابداً. لقد تم تطويب المرافق العامة لأصحاب الايادي الطويلة. لبنان يتعرض للاستباحة عن طغمة كونفيدرالية تنهب اللبنانيين الغلابى.
المسيرة شاقة. ظن اللبنانيون أن لبنانهم كالعنقاء. يولد من رماده. يا حرام. هذا سراب. هؤلاء القتلة، النهابون، النصابون، الكذابون، المجرمون… قد دفعوه إلى حتفه، بعد امتصاصه. هل يمكن اصلاح برتقالة ثم امتصاص عصيرها؟ لبنان، اعتصروه كله. لم يعد الا نفايات متراكمة. رئاسته، أي رئاسة الجمهورية، طبل يطن لا أكثر. حكوماته، وليمة من قديد البلد ومؤسساته المنهوبة. نوابه يتناوبون على جثته. صار البلد هيكلاً عظمياً. ولا تبث الروح في من لا شفاء له ومنه.
في كل مرة كان يعاني سكرات الافلاس، كان الطبيب المداوي، يعالجه بالديون المسكنة. صار البلد صندوقة اموال، قدرها قوى لبنانية عاملة في الخارج، ومساعدات مشروطة “بإصلاح”. غشوا بلاداً. كذبوا على مانحين…هؤلاء، اختصاصهم الوحيد هو السرقة. سرقوا البلد كله، ثم، وهذا ما قتل لبنان، سرقوا مدخراته من المصارف. صار البلد يغني مع شوشو: “شحادين يا بلدنا”. ضروري أن نحدد أن الشحادين هم الشعب، وان السارقين يراهنون على ما تبقى من النزر اليسير من الاموال.
اختصار: لا يعقل ابداً، أن يوكل إلى نهابي لبنان، انقاذه من الافلاس والانهيار. هؤلاء، هم هم. لا تغيروا ولا يتغيرون. انهم هم هم في الرئاسة والوزارات والمجلس النيابي والصناديق والمؤسسات والوزارات والمصارف و… المصرف المركزي.. وهم مدعون من شرائح متناقضة ومتآلفة ومتحالفة على زغل. حضنهم الطائفي من رأسه إلى أخمص قذارة رجليه، يقف إلى جانب قتلة لبنان، ويدافع عنه.
آخ ثم آخ من المرجعيات الدينية والمذهبية. بل وألف آخ. انها تستحق كلاماً بذيئاً، نوفره لساعة الحقيقة: ساعة ترحيل لبنان إلى ابديته الطائفية.
لا مبالغة البتة في ما كتب اعلاه. لا انقاذ للبنان هذا. لقد مات والمطلوب دفنه. عندما سيكون على عاتق الناس الثكالى، اعادة صياغة وجودهم بطريقة تعيد الحياة لشعب خانته قيادته، الخيانة العظمى.
المجموعة التي كانت ولا تزال حاكمة، لا تزال قوية جداً. وهي ليست غبية ابداً. تراهن أن لبنان هو الفينيق الذي يعود جديداً من رماده وتنتظر موته الراهن وولادته، على أن يكون الوليد يشبههم.
من يستطيع انقاذ لبنان من فقره وجوع اولاده وضياع ضنى حياتهم؟
من يوفر لنا غدا لا نموت فيه ولا نُهان ولا نشحد ونتسول؟ طبعاً ليس هؤلاء ابداً. لكن الرهان التاريخي يحتم ما يلي: إذا مات لبنانهم الذي يشبههم فان لبنان الوليد لن يشبههم ابداً. وهذه مسؤولية جيل 17 تشرين، الذي خرج بصوت وموقف رائع ومخيف وحقيقي. 17 تشرين لن يكون وحيداً. على جموع اللبنانيين، أن تعقد النوايا لتكون البديل الحقيقي الانقاذي. عليهم أن يخرجوا من خصوصياتهم إلى عموم اللبنانيين. اصنعوا لبنان المدني اللاطائفي، الدستور يلحظ خارطة طريق. فلنطبقه. فلنحذف الطائفية من كل جملة سياسية ومن كل نص وطني. فلتبلغ القطيعة مع مدمري الحلم اللبناني. إلى درجة اجراء محاكمات شعبية علنية. لستم بحاجة إلى مدعي عام. الجماهير اللبنانية مرجعية سابقة وصادقة.
تبقى الصعوبة الصارمة، أن تقف جماهير الطوائف على الحياد. سنشعر باليتم حتماً. لبنانهم فل. راح. لن يعود. قد تعاند وتقاوم. فليكن. بشرط عدم الانجرار الطائفي.
لبنانهم مات. لبناننا يجب أن يولد، مختلفاً كلياً عن لبنان الذي ظل مريضاً من لحظة ولادته حتى بعد مائة عام.
في هذه الاثناء سنجوع سنحزن س … ولكن لبناننا الجديد، يجب أن يكون مشروعنا الحيوي. فيا جيل 17 تشرين الغد بانتظاركم.