أخذ اليأس اللبنانيين إلى التعلق بحبال… منظمة المؤتمر الإسلامي وقمة دولها العديدة المنعقدة اليوم في السنغال.
ومعروف أن هذه المنظمة قد استولدت، بالأساس، على عجل، وبذريعة الرد على واحدة من الجرائم الإسرائيلية الكبرى المتمثلة بإقدام متطرفين على إحراق المسجد الأقصى في القدس، في منتصف آب .1969
كان الهدف الأصلي من ابتداع هذه المنظمة التي لم تثبت في أي يوم حضوراً سياسياً فاعلاً، اختطاف قضية فلسطين من أيدي أهلها العرب، وبالتحديد من أيدي القيادة القادرة حينذاك، ممثلة بجمال عبد الناصر، وحتى من جامعة الدول العربية، باستغلال الجريمة الإسرائيلية لذلك المسجد ذي العبق التاريخي وذي المكانة الاستثنائية لارتباطه بالإسراء والمعراج..
وبرغم رحيل جمال عبد الناصر بعد أقل من سنة على المؤتمر الأول لهذه المنظمة والذي انعقد في فاس، وعهد برئاسته إلى الملك الحسن الثاني، بعد منافسة شديدة مع السعودية التي حظيت بأن تكون مقر الأمانة العامة للمؤتمر..
.. وبرغم تخلي مصر عن دورها القومي، بعد حرب 1973 وما تلاها من اتفاقات مع إسرائيل انتهت بمعاهدة الصلح المنفرد، و لجوء الجامعة العربية من مصر إلى تونس، بعد كامب ديفيد.
.. وبرغم توفر الإمكانات، نظرياً، لهذه المنظمة التي جمعت أشتاتاً من الدول التي لا يربط بينها أي رابط جدي، سياسياً واقتصادياً وثقافياً،
فلقد ظلت القمة الدورية التي تعقدها أقرب إلى المهرجان السياسي المزركش الرايات، الناطق بالإنكليزية، والمنضوي في أحضان الهيمنة الأميركية… ولم تحظ منه فلسطين، القضية والمنظمة، ثم السلطة ، إلا بالدعم اللفظي، خصوصاً بعد إقدام الكثير من الدول المنضوية تحت لوائه على الاعتراف بإسرائيل، علناً أو سراً، وأقامتها معها علاقات جدية … وبالدولار!
لم تنجح المنظمة، ولا قممها الدورية، لا في تحسين أحوال المسلمين، عامة، ولا في تصفية الخلافات القائمة بين دولها، فضلاً عن الأهداف العظمى كالتصدي لإسرائيل ومشاريعها التوسعية (المستعمرات الاستيطانية واستقدام أكثر من مليوني مستوطن من مختلف أنحاء الأرض لتوفير اليد العاملة المجانية واحتلال المزيد من الأراضي كما يحصل في الضفة الغربية عموماً، وفي القدس الشرقية، ومن حول المسجد الأقصى، وفي السراديب والأنفاق تحته، خصوصاً..).
بعد انفجار إيران بالثورة الإسلامية، في العام ,1979 صارت للمؤتمر مهمة جدية: مكافحة التأثيرات أو الإشعاعات الجدية لهذه الثورة على العالم الإسلامي، خصوصاً أنها تحمل بل وتعمل بنفس صاحبة الرسالة..
… وانشطر المسلمون، المختلفون أصلاً، من جديد، إلى معسكرين: أكثرية منتظمة خلف السعودية، حيث مهد الرسالة ومنطلقها، وأقلية معجبة بالتجربة الإيرانية وصمودها في وجه الضغوط الأميركية، ومجاهرتها بالعمل بل بالجهاد لإلحاق الهزيمة بالمشروع الإسرائيلي، خصوصاً وقد جعلت قبلتها السياسية فلسطين.
وبطبيعة الحال فقد تمكن النفوذ الأميركي من إشغال هذه المنظمة بموضوعات الخلافات المذهبية (بين السنة والشيعة) بل والعمل على تعميقها بدلاً من السعي لمعالجتها بالتركيز على أصول الدين الواحد، وهي تجمع ولا تفرق، ثم على أحوال المسلمين وكلها متردية، ومعظمها ناجم عن الهيمنة الأميركية، فضلاً عن التخلف والفقر وتحكّم الدكتاتوريات في هذه الشعوب المستضعفة، ودائماً تحت الحماية الأميركية… ومعها تغلغل النفوذ الإسرائيلي.
وهكذا فإن هذه المنظمة التي استولدها الغرض السياسي لمواجهة خطر القومية العربية ومدها الذي كان يفرض ظله على العالم الإسلامي ويقدم نموذجاً للتحرر، برغم تعثره، قد انتهت إلى هيكل مفرغ من أي مضمون، بل إنها تلعب دوراً سلبياً، بدل أن تدعم فعلاً كفاح الشعوب الإسلامية وفي الطليعة منها شعب فلسطين، فضلاً عن أن تنشئ مؤسسات تعبّر عن تضامن دولها الغنية مع دولها الفقيرة، اقتصادياً واجتماعياً.
أما العمل لتوحيد المذاهب ومكافحة التشقق المذهبي الذي طالما هدد ويهدد بحروب أهلية بين أبناء الدين الواحد، وأما تعزيز التعليم العصري بوصفه رافعة لأشتات المسلمين الفقراء، وأما التضامن في وجه الأعداء المشتركين لهذا العالم الذي يضم في جنباته أكثر من مليار مسلم.
أما ذلك كله فليس بين اهتمامات المنظمة أو المؤتمر لا على مستوى لجانه ولا حتى على مستوى القمة…
كيف إذن بلبنان، ومن أين يدخل إلى قمة كهذه، وكيف تراها ستعينه على أزمته المعقدة، هذا لو كان القرار بيدها، وقررت ذلك فعلاً؟
كخاتمة، يمكن الاستشهاد بفقرة تضمنها تصريح لرئيس الدولة المضيفة، السنغال، عبد الله واد، وقد جاء فيها: لقد انتهى عصر الصليبيين ومعه عصر الجهاديين.. فتأملوا!
.. وهذا العراق شاهد وشهيد.