طلال سلمان

لبنان قضية كونية فمن يصنع “الرئيس”

لا مجال للمكابرة والهرب من مواجهة الواقع: لا بد من الاعتراف بأن لبنان قد بات قضية دولية يُقرَّر له ولا يُقرِّر، بمعزل عن رغبة ابنائه المنقسمين في حومة الصراعات بين قياداتهم السياسية الفذة، مع وعيهم بخطورة أحوالهم والتهديد الذي يطاول المصير .
يشهد على ان لبنان قضية دولية ان مجلس الأمن قد خصه، في أقل من ثلاث سنوات، بمجموعة من القرارات الدولية التي تنظم لدولته تحت التأسيس، ولشعبه القاصر، أسباب حياته جميعاً.
فبين القرار 1559 والقرار 1701 وما بينهما وضع المجتمع الدولي للبنانيين قواعد حياتهم السياسية والاقتصادية والأمنية… فضلاً عن تحديد اصدقائهم واعدائهم واصول التعامل مع هؤلاء واولئك…
صار لكل تصرف ضوابطه الدولية: الدستور وأسس تعديله، انتخاب رئيس الجمهورية وكيفيته والأصوات اللازمة لتنصيبه او اللاغية لترشيحه، وهل يكفي النصف زائدا واحدا أم لا بد من الثلثين؟ ام لا ضرورة للدستور اصلاً طالما انه حمّال اوجه؟…
فأما الحكومة فقد حسم القرار الدولي أمرها: هي منتخبة ديموقراطياً ولو بتراء، وهي شرعية ودستورية، ولو كانت منتقصة الشرعية ومخالفة لروح الدستور ونصه وميثاق العيش المشترك وضماناته الطبيعية.
فأما مجلس النواب فيمكن تجاوزه إذا ما عصا رئيسه ولم يفتح أبوابه لتشريع ما هو غير شرعي ولتقنين ما هو غير قانوني… ويمكن للمرجعيات الدولية، ومجلس الأمن بالذات، ان تنوب عنه في التشريع كافة…
وأما الجيش والقوات المسلحة فالقرار الدولي يحدد عقيدتها وعديدها وسلاحها ومواقع تموضعها ومهماتها القتالية (وهوية اعدائها، اقله من خلال الجغرافيا… وقد كان الشرق في ما مضى، هو مصدر الخطر المحتمل…)،
ثم يأتي دور قوى الأمن الداخلي التي يجب ان تحظى بالاهتمام بحيث تكون، في تسليحها وتجهيزها وتنظيمها ومخابراتها جيش الداخل …
أما المقاومة فلا بد من طمس دورها الوطني في تحرير ما كان يحتله العدو الاسرائيلي من أرضنا، وفي التصدي للاعتداءات الاسرائيلية (وهي للمناسبة يومية، وإن كانت مقتصرة الآن على خرق أجوائنا، والتجسس بطائرات الأم. كا الشهيرة على كل من وما يتحرك في مختلف انحاء لبنان…).
المقاومة هي وفقاً للقرار الدولي مجرد ميليشيا، تنقض سلطة الشرعية وتناقض مهماتها الدستورية، وبالتالي فهي نذير بالتمرد المسلح او الحرب الأهلية، وبالتالي فلا بد من حلها (وبالقوة، إذا لزم الأمر… متى توفرت!!).
أين موقع معركة الرئاسة من هذا كله؟!
إنها تقع في صميم القرار الدولي، او هكذا يراد للبنانيين ان يفهموا فيسلّموا بالأمر الواقع الجديد: عليهم ان يجلسوا في بيوتهم هادئين، وينتظروا ان يبلغوا باسم رئيسهم الجديد، الملتزم بالقرارات الدولية التي صدرت خلال السنوات الثلاث الماضية جميعاً، ويمكن ان يتم التبليغ عبر الشاشات والاذاعات والرسائل الهاتفية فضلاً عن الانترنيت!
يؤكد ذلك ولا ينفيه ان تظهر الدول كل هذا الاهتمام بموضوع رئاسة الجمهورية، بمعزل عن سائر المخاطر والمشكلات والهموم الفعلية للبنانيين، والتي تشمل مختلف وجوه حياتهم من مخاطر الفتنة الى ما يقارب افلاس الدولة الغارقة تحت اثقال الدين العام، ومن الصحة الى التعليم، ومن الأمن الى الكهرباء وسائر الخدمات التي من دونها تصير الحياة قاسية ولا تعود نعمة …
وليس مما يطمئن ان تعج بيروت، هذه الايام، بالموفدين والمبعوثين وحملة الرسائل الرئاسية والسفراء السابقين الآتين للاستطلاع والاستكشاف وتوجيه الاسئلة والاستفسارات والبحث في تلافيف هذا الكيان السياسي النادر المثال والذي اسمه لبنان، والذي رئيسه مشكلة، حكومته مشكلة، اقتصاده مشكلة واجتماعه ألف مشكلة ومشكلة! البقاء فيه مشكلة ومغادرته مشكلة للمغادرين ولأهلهم الذين يودعون معهم وفيهم مستقبلهم!
كلما تزايد الموفدون واحداً كان ذلك يعني ان المسألة اللبنانية اكثر تعقيداً مما نظن، وان حلها بالتالي اخطر من التوافق الدولي حول اسلحة الدمار الشامل والاحتباس الحراري وخروج جيش الاحتلال الاميركي من العراق وتوقف اسرائيل عن اعتداءاتها اليومية على فلسطين ونهش ما تبقى من أرضها ومن حقوق شعبها في دويلة مجردة من السلاح ومن حق الحياة.
لبنان قضية كونية…
هل يريد اللبنانيون سبباً أخطر للاعتزاز ببلدهم الأعجوبة؟!

Exit mobile version