لا تخافوا على لبنان. ثبت انه الأقوى. هو باق، باق، باق.
لا تتفاءلوا بالغضب. لا تعوِّلوا على التظاهر. لا تأملوا خيراً من أي حراك. لا تتنطحوا للتغيير. لا تحلموا بالإصلاح. لا تتوقعوا التحسين. كل الأبواب مغلقة. لبنان “المتهالك” جداً، محصن جداً. هو باق، باق، باق.
لا تصدقوا الافكار الجميلة. لا تغشوا انفسكم بأن الحالة لم تعد تطاق. لا تلوموا “الشعب”، او الشعوب اللبنانية على عدم استجابتها. هي تعرف أن الجدران السميكة أقوى من الرؤوس اليانعة.
كفوا عن الأحلام. انكم لا تشبهون اهل السودان، ولا شعب الجزائر ولا جماهير تونس، ولا غضب المصريين المكبوت. اللبنانيون الحالمون محكومون بأن يكونوا ابرياء فقط، مع القليل من الغباء. لو حشدتم كل غضبكم، فلن تكونوا عُشر طائفة من الطوائف، واليكم الدليل:
لو قرر رئيس الجمهورية أن يدعوا جماعاته إلى الشارع، فكم الفا سيلبي؟ بالتأكيد، أكثر من خمسين الفاً. قد يبلغ الرقم المئة الف… لو قرر الرئيس بري أن يملأ الشوارع بغمزة منه، فكم تكون الارقام؟ خمسون الفاً، ام مئة الف؟ لو قرر السيد حسن نصرالله دفع جموعه إلى الشارع، لفاضت بعشرات الألوف وأكثر. لو قرر وليد جنبلاط اقفال الجبل بالمحازبين والمؤيدين، لأظهر قوة في طائفته لا تدانيها قوة. وبرغم ضعف سعد الحريري، فما زال قادراً على اكتساح الساحات السنية بعشرات الألوف وأكثر… وهكذا دواليك.
هذه الفرضيات، قابلة للتحقق، حتى ولو كانت اكثرية الاتباع من كل الطوائف، تعاني من الأزمات، كل الأزمات.
اذن، لبنان قوي جداً. التغيير بالشارع، حلم ليلة صيف. التغيير بالقوة، فقل، لا حول ولا قوة الا عند الطوائف. التغيير “الديمقراطي” كذبة بلقاء، كيفما كان قانون الانتخاب. التغيير بالعنف الطائفي، حصل، وأنتج حكماً طائفياً محصنا ونظاماً اشد طائفية، وسلطات تتقن فنون الفساد والافساد و… الخيانات العلنية، والتعايش الواضح معها، والخونة مدعومون جداً ومعلنون جداً. فلبنان، “بيت بخيانات متبادلة”.
لا تحاولوا اجراء مقارنات بين لبنان وغيره من الكيانات والدول. لبنان لا يشبه الا نفسه. مذ تأسس الكيان، اعطي صك ملكيته اولا للطائفية المارونية، ثم اعطي صك اخر في العام 1936 للطائفة السنية، ثم منحت الطائفة الشيعية صك ملكية في ستينيات القرن الماضي. الصك الدرزي، سابق للكيان، من زمان… لبنان لهؤلاء فقط. هكذا هو منذ مئة عام، وبالتقسيط. نظامه يشبهه ويشبه ناسه. لا غربة بين النظام الطائفي و”شعبه” او شعوبه. لا فصل بين قيادات الطوائف وشعوبها. لذا، لا مساس بالطوائف وزعمائها. هذا الكيان لها، وهو مدعوم بقوة هائلة من “همج” الاتباع، حيث لا تفكير، الا لفكر الزعيم والقائد وصاحب الرتبة المتوارثة.
وعليه، لا تخافوا على هذا اللبنان، الا إذا انقسم على حاله. ولقد ثبت أن الانقسام هو اوكسجين السياسة. انه المنقسم دائماً، وغير الملتئم، الا على زغل، بأسلوب “التفاهم” او “الصفقة” او “الاتفاق”، على التقاسم. مئة عام، ولبنان هذا، لم يلتئم. لا اصبح دولة، ولا صار وطناً، ولا افلح نظاماً، ولا تحول إلى ديمقراطية، ولا عرف تنمية، ولا.. ولا.. إلى آخره.
هكذا كان وهكذا ظل. مئة عام من التجارب، كافية لإعلان فشل لبنان التام. والغريب أن لا بديل.
لبنان خلص. لا تحلموا ولا تتأملوا. خذوه على علاته. سيبقى سيئاً ويرتقي إلى الاسوأ. كان يمكن أن يكون دولة ووطناً ونظاماً ديموقراطياً. لكن ذلك لم يحدث ولا مرة. انظروا اليه جيداً. انه يشبه ماضيه، ولكنه أبشع منه.
لبنان هذا خلص. ولكنه باق. ممنوع أن يموت نهائياً. لا وريث له، غير ورثة زعمائه الحاليين. لنفرض، لا سمح الله، أن انتقل زعماؤه إلى العالم الآخر. لن تكون هذه المعجزة نهاية للكيان. ورثتهم موجودون، وهم على دين آبائهم.
لذلك، نقول للذين يحلمون، أن إستيقظوا. فكروا في وضح النهار وفي وضح الوقائع وفي وضح التاريخ. لن تجدوا الا هذا اللبنان. وسيبقى حياً يرزق على الحافة. ولو انهار اقتصاده وانزلق إلى الهاوية.
هذا حظنا من سايكس ـ بيكو. تباً. ما صنعه سايكس ـ بيكو لا يقوى عليه اللبنانيون.
هل هذا يأس؟
طبعاً. انه أفضل ألف مرة من الأمل الكاذب.
ماذا بعد؟
لا شيء. سندخل المحنة. سنعاني. سنغضب. س … ومن ثم، سنعود ادراجنا لنعلك السياسة الطائفية، التي علكها من قبل، من سبقونا.
حذار التفاؤل. انه مرض يورث الخسارة.
وبرغم كل ذلك… لا نقوى على أن نكره لبنان. للأسف الشديد، إننا نحب بلدنا كثيراً، مع انه يكرهنا كثيراً. ونحب شعبنا الذي استقال من زعاماته.
سنبقى لبنانيين، بكل اسف، وبكل جدارة، ولن نرتكب العار الطائفي.