خلال شهر واحد، وفي أبو ظبي بعد الكويت، سمعت المنطق »الخليجي« نفسه كمدخل للحديث عن لبنان وموقعه لدى أقطار الجزيرة والخليج كافة، وخلاصته:
ساعدونا لكي نساعدكم في لبنان. تصرفوا معنا، على المستوى الرسمي، دولة لدولة، وليس استنادا إلى العاطفة الخاصة التي تعرفون أنها تشد الخليجيين عموما إلى لبنان واللبنانيين.
في التفصيل ترد حجج منطقية منها:
» على المستوى الفردي فإن أقطارنا كافة مفتوحة أمام اللبنانيين، بل انهم أصحاب حظوة لعلها موضع حسد سائر الأخوة العرب الوافدين للعمل لدينا.
»أما على المستوى الرسمي فمن الضروري أن يتوقف الخلط بين العاطفة وبين العلاقات بين دولتين. لم يعد الخليج مجموعة من المشايخ البسطاء يدخل عليهم »الشطار« فيسحرونهم بفكرة جديدة عليهم أو بمشروع مبهر، أو يستثيرون عاطفتهم برواية حزينة من زمن الحرب، ثم يعودون إلى الفندق مطمئنين إلى أن »الهدية« أو »الشرهة« ستكون قد سبقتهم إليه. لم يعد الخليج مشيخات. صار في الخليج دول لها ارتباطاتها ولها علاقاتها الدولية، ولها مخاوفها التي ترتب عليها التزامات ثقيلة، وتحكم سياساتها تجاه الآخرين. لم يعد المال في جيب »الشيخ« أو تحت تصرفه بالمطلق ينفق منه بغير حساب. صارت للدولة موازنتها، وللمساعدات والهبات أقنيتها الرسمية، وللقروض أصولها المعتمدة دوليا. هذا لا يلغي، بطبيعة الحال، مشاعرنا ولا ينقص من تعاطفنا واستعدادنا لمد يد العون، ولكن وفق أصول التعامل بين الدول. والمفارقة أن البعض يأتينا »كدولة« ثم يريدنا أن نتعامل معه من خارج »الدولة«.
تشير إلى ما كان لبنان يتوقعه من دعم بعد التحرير بالمقاومة باعتباره انتصارا عربيا غير مسبوق، فيقفز محدثك من »السياسة« إلى »الواقع الاقتصادي« قائلا: هل قدمتم مشروعات محددة لإعادة الإعمار وتعزيز صمود الجنوب وتأخرنا عن المساهمة في تمويلها؟! الدول لا تتحدث بالعواطف، إنها تفيد من علاقاتها الخاصة والمميزة لإعطاء مشروعاتها الأولوية، فتقدم دراسات جدية وتطلب التمويل على أساسها، فتكون مناسبة لتأكيد الأخوة بالدعم على قاعدة اقتصادية سليمة. وهذا يفيدكم مرتين: الأولى أنه يعفيكم من حرج من يطلب »صدقة« أو »تبرعاً« يكافأ به على تضحياته العظيمة التي لا يعادلها مال الأرض، والثانية أنه يعفي من يتقدم لمساعدتكم من »حرج«، إذ يبدو وكأنه يحابيكم لأسباب سياسية مباشرة وليس على قاعدة اقتصادية سليمة تقرها وتعتمدها المؤسسات الدولية كافة.
بعد هذا وذاك يضيف محدثك الخليجي فيقول:
يا أخي ساعدونا أنتم، ولو قليلاً… ليخفف قادتكم وسياسيوكم من حملات التشهير و»الردح« المتبادلة. صحيح أننا تعوّدنا على فولكلور الخلافات بين الأقطاب والزعماء والمراجع في لبنان، لكن البعض من هؤلاء قد تجاوز مؤخرا الحد المقبول في »أدب« الخصومة السياسية إلى التشهير بالدولة ومؤسساتها وعلاقاتها الدولية.
الخاتمة بليغة الحكمة كما وردت على لسان مسؤول خليجي متهم »بالتعصب« للبنان، قال: قد يتوهم البعض عندكم أننا منزعجون من الوجود السوري في لبنان، لكن هؤلاء يجب أن يعرفوا أن الانزلاق إلى العنصرية والتشهير بسوريا وبمواطنيها عموما لا يعود على لبنان إلا بالضرر الفادح. فالعنصرية ضد »السوري« تتخطى ما هو سياسي لتكشف عداء للعرب عموما، أو هكذا يفهمها العربي خارج لبنان. فاحذروا العنصرية. إن التعاطف معكم لا يعني ولا يجب أن يعني الدخول مع سياسييكم في حروبهم الخاصة، أو قبول منطقهم الخاطئ والمشبوه، لا سيما وأننا نحفظ لهم مواقف وأقوالاً مناقضة تماما لما يقولونه اليوم في سوريا والسوريين. والعنصرية تستدر العنصرية، فحذار، حذار… وليتذكر الجميع أننا نبقى عرباً ولو اختلفت سياساتنا.