طلال سلمان

لبنان في »قمة« حرب اسرائيلية

استقبلت اسرائيل الدعوة الاضطرارية الى قمة عربية عاجلة بما يليق بها من »الاحترام« و»التقدير«: وجهت انذارا بالحرب ضد ثلاثة أقطار عربية دفعة واحدة هي لبنان وسوريا إضافة الى ضحايا قتلها اليومي من شعب فلسطين.
والانذار، بتوقيته كما بمضمونه، تحد اسرائيلي إضافي للعجز الرسمي العربي الذي تجلى، مرة أخرى، صارخا وفضائحيا على امتداد أيام المذبحة المنظمة ضد الفلسطينيين في كل أرضهم،
لكأن إسرائيل تخاف من »أطفال الحجارة« الذين يواجهون رصاص القتل الاسرائيلي بصدورهم العارية، ومن المجاهدين الذين لا ينتظمهم جيش ولا يأتمرون بتعليمات السلاطين، أكثر مما تتهيب أو تخاف (؟) من الملوك والرؤساء الذين سيحتشدون في القمة العتيدة.
وكيف تخاف إسرائيل وثلث الدول، الداعية والمدعوة إلى القمة لها معها علاقات مباشرة بعضها حميم، واتفاقات تعاون بعضها خطير، يتجاوز العارض والطارئ من الامور إلى ما هو »استراتيجي«؟!
أو لكأن إسرائيل تستهين سلفا بالنتائج التي تقدر أن هذه القمة سوف تنتهي إليها وبها، خصوصا وانها قمة فرضها الحرج ولسوف يحكمها الخوف المثلث: من العقاب الأميركي، ومن التأديب الإسرائيلي، ومن تعالي موجة التعاطف مع »أطفال الحجارة« ومع المجاهدين المتحررين من قواعد التوازن العسكري، بحيث تنتقل عدواها إلى العواصم المسورة بشرطة الرعب فتفعل فعلها طارحة عدوى النموذج اللبناني الفلسطيني المشترك على الداخل المتهالك والمتهم بالتواطؤ؟!
إن التهديد المكشوف والمباشر الذي وجهه إيهود باراك إلى كل من لبنان وسوريا وفلسطين هو إعلان مسبق بالحرب على هذه القمة التي ارتجلها الخوف من أن »تفلت الأمور«…
والهدف الفوري لهذا التهديد فرض جو من الرعب على أهل القمة بحيث يصير همهم: كيف نرضي باراك فلا يفرض علينا حرباً لا قِبَل لنا بها؟!
… بينما كان المفترض أن تكون الدعوة الى هذه القمة، مجرد الدعوة إليها، عامل لجم لشهوة القتل الإسرائيلي، وان يكون في انعقادها ما يشبه الإنذار بأن إسرائيل ستواجه غداً العرب مجتمعين وليس الفلسطينيين وحدهم، ومن ثم اللبنانيين فالسوريين وكلا منهم على حدة.
لم يتحسب باراك، وهو يطلق تهديداته بالجملة، لاحتمال، مجرد احتمال، من أن تقدم الدول العربية »المتورطة« في علاقات مع »دولته« على قطع هذه العلاقات وإغلاق السفارات ومكاتب التمثيل وإقفال الأجواء المفتوحة، ووقف التعاون المشترك في مجالات عدة بينها ما هو اقتصادي وما هو شبه عسكري وما هو إعلامي، لا سيما عبر بعض الفضائيات »العربية« الملتبسة الهوية والغرض.
مع ذلك لا نملك غير أن نرحب بانعقاد القمة، حتى لو كانت مطلوبة أميركيا، وتمهد لصفقة شاملة تنتقل بالصراع العربي الإسرائيلي الى طور جديد، بتنازلات جماعية من أجل اتفاقات ثنائية، كما تشيع بعض الأوساط الدبلوماسية المطلعة.
فلقد صار تلاقي الحكام العرب عزيزا كالأمنية، برغم ان النتائج غالبا ما تكون مفجعة كالخيبة المعتقة.
* * *
أين لبنان في هذه القمة ذات العنوان الفلسطيني؟!
{ أولاً من حق لبنان، ومن واجبه أيضا، أن يتعامل مع هذه القمة التي فرضها »الإرهاب الإسرائيلي« في فلسطين، وكأنها »قمته« المرجأة والتي كان يتوقعها، وإن لم يطلبها، مع تسجيله ذلك النصر العربي الباهر قبل أربعة شهور، بإجبار الاحتلال الإسرائيلي على الانسحاب من أرضه تنفيذا لقرار دولي منسي (؟!) وتعبيرا عن عجز عسكري فاضح، وبغير ترتيبات أمنية تنتقص من السيادة، وبغير اتفاق اذعان سياسي يلغي الاستقلال (حتى لا ننسى اتفاق 17 أيار وابطاله الميامين).
{ ثانياً لقد اعاد باراك توكيد الاستراتيجية الاسرائيلية التي تقول بوحدة المسارين اللبناني والسوري، مذكراً من نسي هذا العامل الجيوسياسي بان البلدين في نظر العدو واحد، لا سلام مع احدهما من دون الاخر، اما الحرب فعليهما معاً.
{ ثالثاً اعلن باراك سياسة اسرائيلية رسمية عنوانها ان المواجهة تشمل كل الذين رفضوا اتفاقات الاذعان (كما حال لبنان وسوريا) أو هم يحاولون تحسين »شروط« مثل تلك الاتفاقات (كما حال الفلسطينيين)، اما في ما يخص احتمالات »التسوية« فلكل طرف مسودته الخاصة، ويمنع توحيد التفاوض او الاتفاق، وتتم مواجهة كل طرف منفرداً.
{ رابعاً ان القمة العربية في القاهرة فرصة ذهبية لكي يثبت لبنان حضوره بما يتناسب مع الصورة المشرقة والمشرِّفة التي قدمها انتصاره في معركة تحرير الارض واجلاء المحتل الاسرائيلي.
من هنا فلسوف يكون من الافضل، بل من الضروري، ان يشارك بوفد يؤكد وحدته الوطنية التي اسهمت في صنع الانتصار وفي حمايته، والتي تزايد التشويش عليها بعد التحرير، كأنما بقصد مقصود ولهدف معين بالذات وخبيث بطبيعة الحال، ويصب في مصلحة العدو بالتأكيد.
ليكن وفدنا الى القمة في القاهرة استثنائياً، سيما وانه في مرحلة انتقالية..
بالاحرى فلتكن مشاركتنا في هذه القمة بوفد وطني اكثر منه رسمياً، بمعنى ان يضم »كل لبنان«، الدولة والشعب.
وبديهي، بداية، ان رئيس الجمهورية العماد اميل لحود هو الذي يجب ان يرئس هذا الوفد الوطني، ولا يجوز ان يغيب عنه لاي عذر، (ومؤتمر الفرنكوفونية في كندا ليس اهم ولا اخطر).
يشارك في هذا الوفد رئيس المجلس النيابي مع ممثلين لمختلف الكتل والاتجاهات السياسية، وبالذات منها كتلة نواب »حزب الله«.
وإلى جانب رئيس الحكومة الدكتور سليم الحص يشارك رؤساء الحكومات السابقون، وبعض الشخصيات العامة ذات الخبرة العالية والرصيد المعنوي الطيب (على سبيل المثال لا الحصر: فؤاد بطرس، ميشال اده)، وبعض أهل العلم والثقافة والفكر السياسي المستنير.
إن القمة فرصة للبنان الداخل، بقدر ما هي مناسبة ممتازة لتأكيد جدارته بنصره، ومن ثم لمحاولة تثمير هذا النصر في ما يتعدى المواجهة العسكرية للعدو الاسرائيلي إلى طرح قضية »صمود ما بعد التحرير«، ومن ثم الاستغناء بالعرب عن »الدول المانحة« التي يبدو أن مساعداتها مشروطة باتفاق إذعان مرفوض،
أو، أقله، فإن المساهمة العربية في حماية هذا الصمود قد تشجع »الدول المانحة« على تخطي »القرار المانع« لمساهمتها،
ومن محاسن الصدف أن القمة تنعقد وأسعار النفط في القمة،
… ويظل الدم العربي أغلى من النفط العربي، بكل المقاييس، ومهما كانت الضغوط قاسية و.. مهينة!

Exit mobile version