قالت لي هالة حين التقينا في معهد العالم العربي للاستماع إلى آخر الندوات الشعرية التي ينظمها العزيز فاروق مردم والتي كانت اليوم عن أشعار الراحل أمجد ناصر، قالت أنها باتت تشعر بالإحباط بعد كل مظاهرة من أجل فلسطين ولبنان، وأنها ستستمر بالذهاب لكن…
تساءلتُ لماذا أذهب للتظاهر في زمن حروب الروبوتات والذكاء الاصطناعي وسطوة النفوذ والبطش وهل يفيد حقاً؟ تذكرت المرة الأولى التي تظاهرت فيها، كان ذلك في العام ١٩٨٢ وكانت دبابات شارون تقتحم لبنان وتصل مشارف بيروت. لم يتغير الكثير منذها، ازداد المتظاهرون عدداً حتماً، وأصبحت أدوات القتل أكثر توحشاً.
قلت لنفسي إن المظاهرات لم تغير قراراً سياسياً واحداً منذ شارون وحتى نتنياهو مروراً بعراق بوش وكل النكبات التي عايشناها ولانزال.
في مظاهرة الأمس الباريسية، بقيت صامتاً أغلب الوقت، كنت أنظر إلى الوجوه: نساءٌ مسنات مع أزواجهن، شباب وصبايا منهم من قد يبدأ هنا قصة حبه، طبقات عاملة وطلابية لاتبدو عليها مظاهر الثراء، شعارات لم تحقق ماتصبو إليه…أمٌ مع ابنها الذي لم يتجاوز خمسة أعوام يحمل لافتة تطالب بحماية الأطفال. بقيت مع مها فترة إلى جواره، أراقب دهشته وفضوله واستمع إلى شروحات أمه، قلت قد أتمكن من حمايته إذا ماتدافعت الناس لسببٍ ما، نوعٌ من التعويض عن كل الأطفال الذين لم نتمكن من حمايتهم.
خطر لي أنني هنا لا لأغير العالم، لكن كي أشعر أنه ليس كلهُ خرابا، وأنه لايزال ثمة أناس تملك هذه الطيبة المفرطة التي تساعدنا، نحن أولاد الخيبات، على الاستمرار. أنا هنا كي لا أنسى من أنا ولا من أين أتيت.
استمعت بعدها إلى مقتطفات من أشعار أمجد ناصر، وأخذت أراقب فاروق الذي يدير الندوة، هو مستمرٌ بإعلاء الكلمة وأصحابها، لا يكلُّ ولا يسمحُ للقنوطِ بالتسلل إليه، هكذا أفترض.
ثم تناولت نيسم جلال الناي وعزفت. انطلق صوتها يلخص تراكم الأوجاع. فلسطين حاضرة، لبنان أيضاً كما كل البلاد المترامية حتى رأس الرجاء الصالح.
لم نعد نعرف كيف نلملم أشلاءنا، قلت، لكن الكلمة لم تذهب بعيداً، هناك دائماً مايمكن فعله. نيسم قالت عندما سألتني عن أحوالي أن الفرح مقاومة أيضاً.
حسناً يانيسم، سنحاوله رغم التقرحات ورغم بشاعة العالم وغياب قيمه. ليس لنا إلا هذا… رددت مع أمجد ناصر:
“لا تبحثْ عن العلامةِ
لا تعترضْ طريقَها
دعكَ من الشقوقِ والخرائبِ
لا تتَّبع أنجماً ضللتْ قبلَك رعاةً وعاشقين
فالعلامةُ تأتيكَ من حيثُ لا تحتسب
أو يخطرُ لك على بال”