لا ربيع في لبنان، هذا العام!
لكأن الطبيعة قد تأثرت بالأحوال السياسية السائدة، داخل هذا الوطن الصغير أو في المنطقة من حوله، وهي متقلّبة بغير منطق، خارج أي قانون طبيعي أو وضعي، بما في ذلك العرف العشائري…
ربما لهذا تفتحت أزهار المبادرة العربية قبل الأوان، وامتنع عليها أن تثمر فتعطي اللبنانيين عهداً جديداً ، توافقياً بالضرورة، من ضمنه الرئيس والحكومة وقانون الانتخاب المفصّل على مقاسات زعامات الطوائف والمذاهب ومرجعياتها الدينية…
ومن قبل المبادرة العربية كانت المبادرة الفرنسية قد احترقت في أتون المساومات ومحاولات التشاطر والتذاكي، في حين صمد عمرو موسى الذي لا يستطيع أن يستقيل من دوره الذي يفرض عليه الصمود في قلب الاستحالة … وخصوصاً أن مدار مهمته على تماس مباشر مع ملوك ورؤساء وأمراء لا يقبلون منه اعتذاراً، ربما لأن خروجه من المسرح قبل الأوان يكشف البعض من أغراضهم ومناوراتهم بل ودسائسهم ومؤامراتهم، ضد إخوتهم الأعداء ، بينما المشروع الأميركي للمنطقة بعنوانه الإسرائيلي، يتعثر من دون أن يسقط، ويرتبك من دون أن يسحب من التداول.
وهكذا فإن المبادرة العربية قد شهدت فتعايشت مع الفصول العربية واللبنانية جميعاً وعبّرت عن أحوالها المتقلّبة: أزهرت ذات لحظة، لكن رياح الخلافات عصفت بالزهر فلم يثمر، وعندما هدأت الريح وبُعث الوعد بالحل من مواته تهاطلت الثلوج كثيفة فقطعت الطريق بين دمشق والرياض، ليتبيّن في ما بعد أن هذه الطريق ليست خطاً مستقيماً، وإنما هي تتلوى لتعبر مضائق دولية، وتمر في عواصم محظورة، وتتفرّع دروباً قبل الوصول إلى… القمة!
[ [ [
لا ربيع في لبنان هذا العام!
بل لقد تلفت مواسم الخير، قمحاً وعدساً وبقولاً، وروداً ولوزاً ودراقن، ليس في لبنان وحده، بل في مختلف أنحاء بلاد الشام، وشحت مياه الينابيع، وكادت تجف الأنهار، كأنما الطبيعة تشترك مع السياسيين في معاقبة الفلاحين والزرّاع الذين يسقون الأرض عرقهم في انتظار مواسم الخير التي لا تجيء…
وفي حين يزدحم شباب لبنان على أبواب السفارات طلباً لتأشيرة خروج من البلاد التي ضاقت بأهلها، فإن القادة الأفذاذ بعدما اطمأنوا إلى سيادة الخوف من الفتنة، قد خفّفوا من اشتباكاتهم التلفزيونية والإذاعية، ومضى كل إلى غايته: من يطلب الدعم المباشر ذهب إلى عواصم الذهب، ومن يرد تعزيز موقعه كممثل للمشروع الأميركي قصد إلى رأس النبع، لعله يحصل على وكالة، ولو فرعية، بعدما حصل على التزكية المباشرة من رعاة المبادرة العربية الممنوع نجاحها.
لكأنما استقر اللبنانيون على يقين أن دولتهم سيطول غيابها، وأن عليهم ترتيب أحوالهم بالتسيير الذاتي لفترة قد تمتد شهوراً عديدة…
ولأنهم سبق لهم أن عاشوا في جمهورية بلا رئيس، وبحكومتين بدل الحكومة الواحدة، وبجيشين بدل الجيش الموحِّد، فإنهم يعيدون ترتيب أوضاعهم للتعايش مع هذا الفراغ المدوي في قمة السلطة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، سواء بالقمة التي راهن المراهنون على المدمرة كول وشقيقاتها بأنها لن تعقد، أو بما بعد القمة من تطورات يصعب التكهن بطبيعتها في هذه اللحظة…
فلا الإدارة الأميركية الغارقة في مشاكلها الداخلية التي فاقم من خطورتها الاحتلال العسكري للعراق، جاهزة للاشتباك عسكرياً على جبهات جديدة،
ولا الحكومة الإسرائيلية التي فضحت عجزها حربها على لبنان في تموز 2006 جاهزة لحرب جديدة تعرف أن جبهتها قد تمتد بأوسع مما تقدّر، في ظل الأوضاع الهشة للعديد من الأنظمة العربية الصديقة، وفي الطليعة منها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، خصوصاً بعدما فضحتها المحرقة التي نظمتها إسرائيل للشعب الفلسطيني في غزة، كما فضحتها العملية الفدائية التي نفذها بدمه علاء هشام أبو دهيم في مدرسة مركاز هراف بيشيفا التلمودية في القدس المحتلة.
ولا يمكن فهم الوساطة المصرية بين إسرائيل والفلسطينيين عموماً، وأساساً قيادة حماس (ومعها الجهاد الإسلامي)، فضلاً عن السلطة ، إلا في سياق حصر النار والسعي لمنع الاشتباك المفتوح الذي قد يتحوّل إلى حرب يستحيل على إسرائيل أن تربحها حتى لو انتصرت بطيرانها ومدمراتها وحواماتها ودباباتها ومدافعها على المجاهدين في غزة المحاصرة براً وبحراً وجواً، والتي يمتنع أهلها العرب عن إمداد شعبها ولو بالمواد الغذائية والأدوية والأمصال… فضلاً عن أكياس الدم التي قد تنقذ البعض من الأطفال الذين استهدفهم القصف الإسرائيلي، بل وقتل الجنود الإسرائيليون عدداً منهم أمام أمهاتهم بدم بارد.
[ [ [
لا ربيع في لبنان، هذا العام!
لا رئيس جديداً، لا حكومة جديدة، لا وفاق وطنياً يخرج الوطن الصغير من محنته، بسبب تعذر الوصول إلى حل سياسي عليه أن يعبر العديد من العواصم العربية إلى عواصم بعيدة أخطرها عاصمة القرار في واشنطن…
وهكذا صار أمل اللبنانيين يتركز على حصر الأضرار، وعلى قاعدة: اللهم إننا لا نطلب رد القضاء وإنما اللطف فيه …
ومع القمة العربية في دمشق، وعبرها، وبعدها يمكننا أن نستكشف موعد الربيع الذي لا بد أن يأتي… ذات يوم!