يعرف المليون متظاهر، او اكثر، من اللبنانيين الذين نزلوا إلى الشوارع في مختلف المدن بيروت بضواحيها الغربية والشرقية، جبل لبنان بجونيه وجبيل والبترون التي تحب جبران باسيل، وطرابلس الفيحاء التي استعادت روحها وأكدت حضورها، بجلاء وبهاء، وعكار بالقبيات وحلبا والمدن والبلدات الفقيرة التي نسيتها الدولة، كما البقاع ببعلبك والهرمل ورأس بعلبك وشليفا ودير الاحمر والبلدات والقرى الأخرى الفارقة في بئر النسيان.
يعرف المليون متظاهر والآخرون الذين لم يستطيعوا النزول إلى تظاهرات الغضب ورفض الضرائب الجديدة التي تفرض على الشعب الكادح والمفقر والذي تتزايد اعداد المغتربين والمهاجرين والمهجرين قسراً، على مدار الساعة..
يعرف اللبنانيون جميعاً أن الحكم ـ هذا العاجز عن اجتراح الحلول وعن فرضها على الناس بعدما فقد رصيده عندهم- أن الحلول غير جاهزة، وأن المطلوب مستحيل التحقق لان النهابين وحرامية السلطة وسماسرة الصفقات لن يتنازلوا عن ارباحهم من المال الحرام (خصوصا وانهم قد حولوا معظمه إلى المصارف الدولية في الخارج)..
يعرف الناس انهم يطلبون الاصلاح من المتسببين فيه،
وانهم يطلبون حماية الثروة الوطنية من ناهبيها،
وهذا احد عناوين المعضلة التي تزيد من تعقيدها “موجبات” النظام الطائفي: فمقابل اللصوص الموارنة لا بد من عدد يتناسب معهم من لصوص الشيعة والسنة والدروز والارثوذكس وصولاً إلى البروتستانت والعلويين والسريان وسائر الاقليات..
مع ذلك فلا بد من الاصلاح واحترام ارادة الشعب،
لا بد من تغيير جذري في قواعد الحكم،
لا بد من وقف الهدر والنهب المنظم لموارد الدولة..
فكيف يعرف أهل الحكم الجالسين هنيئا في قصورهم، والتي تنتظرهم طائراتهم الخاصة ويخوتهم المذهبة، كيف يعرفون الحلول (وهم يعرفونها ويخافون منها إلى حد تجاهلها..) فليغيروا ما بأنفسهم، وليبدلوا في مسلكهم، وليتقوا الله فينا.. والا فلتكن الثورة الشاملة التي تحاول اسقاط النظام، منتصرة على الاستحالة.
إن الوطن يستحق.. إسقاط الاستحالة، وإلا أسقطه حاكموه..
ولا يهم أن تحقق الانتفاضة نصف انتصار، فالغد للشعب، خصوصاً إذا عَرِف كيف يُكمل انتفاضته بوسائل أخرى.
قد يجني المليون من المتظاهرين بعض مطالبهم وليس كلها،
والمهم الا تتوقف الانتفاضة، وان تستمر، وان يبقى الشارع حاضراً للتحرك وإكمال المهمة المقدسة.
قد تكون “الثورة” مستحيلة في بلاد العشرين طائفة ومذهب،
ولكن احتمال تجدد الانتفاضة يجب أن يظل قائماً..
والغد هو الحد الفاصل بين تحقيق مطالب الشعب، او معظمها.. وإلا فان الانتفاضة سوف تتعاظم حتى يرحلوا جميعاً من مواقعهم..
و”كلهم ” يعني “كلهم”!