متسرّع أو متجنٍّ مَن يتهم جولة كريستوفر الحالية بالفشل الذريع!
لقد حقق الدبلوماسي الأميركي العجوز، وبمثل السحر، ثلاثة انتصارات باهرة خلال أقل من يومين من أصل الأسبوع الحافل الذي سيمضيه متجولاً يبيع ويشتري في المنطقة التي كانت عربية والتي هي في طريق التحوّل إلى مستقبلها العتيد: الشرق الأوسط الجديد!
أما الانتصارات فهي:
أولاً تحقيق »خرق« خطير في المفاوضات حول المفاوضات من أجل مباشرة التفاوض على تنفيذ ما كان تقرَّر تنفيذه في المفاوضات السابقة على الاتفاقات اللاحقة حول الموضوعات الجاري التفاوض عليها حاليù بين الاحتلال الإسرائيلي ورئيس سلطة الشرطة في غزة، وأبرزها تحديد مواعيد الحديث في شأن الانتخابات المرتبطة بالحديث عن »إعادة الانتشار« العسكري في الضفة الغربية المحتلة.
ومع انه »ما لخرقٍ بميِّتٍ إيلامُ«، فإن الخروق التي أصابت »الحكم الذاتي« من قبل لم تستبقِ فيه من العافية ما يمكنه معه الافادة من الخرق الجديد… ومع ذلك فإن عرفات قد حقّق مكسبù تاريخيù؛ إذ سمع شيمون بيريز يناديه بلقب »الرئيس« وبالعربية، فسعد بذلك وأيّما سعادة، وسجل هذا الاعتراف وإن كان »الثعلب« الإسرائيلي سعى لإفهامه أنه إنما يتمرّن على نطق الكلمة باللغة العربية ليس إلا.
ثانيù تحقيق »خرق« أكثر خطورة، وفي الجو هذه المرة، بين إسرائيل والنظام الأردني؛ إذ شهد بنفسه يوم أمس »عبور« الطائرات الملكية الأردنية أجواء فلسطين المحتلة مسترشدة بالتوجيه الأرضي الإسرائيلي، وفي ذلك ما فيه من بشائر حول احتملات »تحليق« التعاون بين »مملكة داوود« وبين مملكة الحسين إلى الآفاق العالية جدù في الغد القريب.
ثالثù إنجاز مهمة تاريخية جليلة هي فك الحصار البحري الإسرائيلي عن الشواطئ اللبنانية، وتمكين فقراء الصيادين في صور والصرفند وصيدا من العودة إلى البحر والتقاط رزقهم من أسماكه، بينما كان يتهدّدهم خطر التحوّل إلى مجرد أهداف لرصاص رشاشات الخافرات الإسرائيلية بما يجعلهم رزقù لأسماك البحر الأبيض المتوسط تأكلهم بدل أن يأكلوها أو يأكلوا منها!
إنها ثلاثة انتصارات تغطي البر والبحر والجو،
وهي انتصارات »عربية« لو أن العرب يقدّرون.
ألا تؤكد هذه الوقوعات غير المتوقعة ملامح »بابا نويل« التي يحملها على وجهه هذا المحامي الأميركي المخضرم، وتجزم باستحقاقه جائزة نوبل للسلام؟!
لا يهم أن عرفات عاد، وبعد ساعات فقط، فأكد أن »الخرق« الذي أنجزه مع رابين لم يغيّر في طبيعة معضلة التفاوض على التفاوض من أجل التفاوض على موعد المفاوضات اللاحقة،
المهم أن »الخرق« قد حصل، وعلى »المخروق« أن يظهر البيّنة على الخارق، والعكس صحيح، وكريستوفر قد أنجز،
كذلك لا يهم أن يكون عبور الطائرات الملكية الأردنية الأجواء الفلسطينية المحتلة قد تمَّ تنفيذù لاتفاق سابق، وأن الإسرائيليين قد باعوا هذا الإنجاز من وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية، وبثمن عال حتمù… المهم ان الأمر قد تمّ بحضور كريستوفر وبرعايته.
ولا يهم أخيرù القول إن الحرب البحرية الإسرائيلية ضد صيادي السمك من أبناء الساحل الجنوبي للبنان لم تكن أكثر من طبل يقرع لتهرب الأسماك فتستقر في شباك الصيادين الإسرائيليين… المهم أن الحصار قد رفع، وأن »السلام« قد عمَّ في أعماق البحر، كما على سطحه اللازوردي الهادئ، وأن الحكومة في بيروت تستطيع المضي قدمù في خطتها للنهوض الاقتصادي مطمئنة إلى أن الدخل القومي المتأتي من تجارة السمك لن يذهب تعويضù للصيادين عن بطالتهم الإجبارية!
لكن العرب ناكرو جميل دائمù،
ولهذا فهم ما زالوا يطالبون كريستوفر بأن يُجلي المحتل الإسرائيلي عن هضبة الجولان السورية وعن جبل عامل وأنحاء أخرى من الأرض اللبنانية،
ويطالبونه بأن ينزع السلاح النووي من يد إسرائيل، لتعود »دولة« طبيعية، تتفوّق في القوة على جيرانها من دون أن تميتهم يوميù بالخوف من الإبادة الساحقة الماحقة أو التي لا تبقي ولا تذر، كما تقول العرب.
العرب يحبون التفاصيل،
وكريستوفر يهتم بالأساس،
وهو مطمئن الآن إلى أن »السلام« يرفرف بجناحيه على الأرض وفي الجو وفي البحر، وأن »في الناس المسرة«، وإن تحاشوا إظهارها طردù للحسد والحاسدين.
على هذا، فهو سيكمل رحلته إلى السعودية اليوم واثقù من أنه سينال »أتعابه« أضعافù مضاعفة، لأن أهل الكرم والجود سيذكرون له مآثره الجديدة فيضيفون إلى رصيده السابق مجموعة أصفار على الشمال.
و»السلام« مكلف دائمù، فكيف إذا كان الدولار في أزمة طاحنة؟!