طلال سلمان

كلنا معنيون بإنقاذ العروبة والإسلام

لقد قرأت مقالك يا أستاذ طلال سلمان في العدد السنوي الذي أصدرته »السفير« في 29 كانون الاول 2001، عن واقع الدين الاسلامي. وأعترف لك انه قد اعتراني بادئ الامر بعض الجزع ما برح ان تبدد مع تقدمي في قراءته. ان الموضوع شديد الدقة لأنه مطروح في ظروف صعبة نمر بها جميعا، في العالم العربي والاسلامي، ومن البديهي أننا لا نريد الانصياع لأوامر أحد في معالجة قضايانا الدينية كما اضطررنا ان نفعل مكرهين بالنسبة الى قضايانا السياسية وخاصة منها قضية فلسطين. ولكننا لا نريد ايضا، وذلك شر آخر مستطير، ان نطمر رؤوسنا في الرمال حتى لا نرى النور الذي هو باد للعيان…
وبالرغم، يا أخي الاستاذ طلال، من اننا ننتمي الى دينين يبدوان في هذه الظروف الصعبة وكأنهما متصارعان، فاننا أنت وأنا منصهران كما الكثيرون من أمثالنا، من لبنان، الى سوريا، الى الاردن، الى فلسطين، ضمن بوتقة العروبة والقومية التي توحد مساراتنا بمعزل عما اذا كان هذا الطريق الذي عرفناه ببصيرتنا قبل ان نلمسه بأقدامنا، قد يؤدي بنا الى الهاوية او يفتح أمامنا أبواب الانقاذ.
لذلك رأيت من واجبي ان أتبادل الرأي معك حول الاسلام، الذي كلانا وبالولادة منه وفيه، لأنه القاعدة الصلبة للعروبة، وأفقنا الكبير الذي لا بديل لنا عنه، كما انه لا بديل له عنا كي يتسع وينبلج نور فجره.
وقد علّمنا التاريخ ان الحضارات المتفوقة لا تسعى الى هدم او ابتلاع أديان الحضارات التي تظنها أدنى منها مرتبة.
وكلما ارتفع شأن المبادئ والمثل والعقيدة وضاق هامش المعتقدات، كلما ارتفع الدين الى مستوى حضاري راق فارتفعت معه المجتمعات المدنية. هكذا كان شأن الصين واليابان وأوروبا من قبل وما نشهده اليوم من تقدم وازدهار في هذه الأقطار المتعددة الجنسيات والأديان هو الدليل على هذا التمايز داخل المجتمع بين المعتقدات والعقائد بين الكلمة والروح. ان كتاب التوراة ومن ثم الأناجيل ومبادئ كونفوشيوس ولوتسو وبودا، هي أدلة على الهوية، على الانتماء، على استمرارية التفتيش عن الحقيقة، عن الثوابت، عن القيم، عن العلم والعلوم. كذلك هي رسالة النبي العربي وما احتوته من نفحة حضارية استهوت القلوب والعقول في شتى أنحاء العالم منذ انبلاج فجر الاسلام…
ولا بد من الاشارة الى ان ما يتداوله فريق منا ومن غيرنا حول ان الغرب يكنّ عداء لدين، او ان دينا معينا يتفوق على أديان اخرى هو خرافات شائعة ليس الا، ولكنها تؤدي الى تصلب في المواقف، الى تحجّر في المعتقد، نحن بغنى عنه لأنه يضر بمصالحنا قبل اي شيء آخر…
ان تجاوز الصنمية والببغائية في الأديان اي الذهاب أبعد وأعمق في مضمون رسالات الأنبياء، هو المفتاح او سيف العقل والحكمة الذي استّله مارتان لوثر في ألمانيا ومن بعده جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده في عالمنا والذي كتبت بصددهما أنه لا أحد يجرؤ اليوم على نشر مؤلفاتهما.
حديثي اليك، من القلب الى القلب، يا أخي الاستاذ طلال، ان نرتفع جميعا الى مستوى الرسالات لا ان نهبط بها الى أودية مآربنا ومعتقداتنا وأنانياتنا، هذا هو بيت القصيد والقضية والمعضلة الكبرى التي يتحتم علينا حل عقدها. وكلنا معنيون بهذا الامر الجلل اي إنقاذ العروبة والاسلام اللذين يشكلان قبلة أنظارنا والأفق الذي يشد كلينا من أبناء الدينيين السماويين، في دنيا العروبة، اليه. وان التباين في وجهات النظر اذا وجد في ما بيننا فانه يعزز حضاراتنا الشراكية لأننا كلنا في النهاية أبناء رسالة المسيح التسامحية كما اننا ننتمي عضويا الى منطق ونطق ودعوة النبي العربي الأزلية.
* محام بالاستئناف.

بشارة منسى

السفير، 1112002

Exit mobile version