انتدب الرئيس الاميركي بيل كلينتون نفسه لانجاز مهمات عديدة، خلال زيارته »التاريخية« لفلسطين المحتلة بشطريها: الكيان الاسرائيلي ومناطق الحكم الاداري الذاتي الفلسطيني داخلها،
فهو يريد، بداية، ان »ينقذ« رئيس حكومة التطرف الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من الاعظم تطرفاً منه، داخل حكومته وداخل الكنيست كما داخل »المجتمع الاسرائيلي«،
ولأن الذهب هو انجح وسائط الانقاذ، فقد حمل كلينتون معه »هبة« سخية مقدارها مليار ومائتا مليون دولار اميركي، تحت عنوان دفع تكاليف »الجلاء« عن منطقة بحجم قبضة اليد من الارض الفلسطينية، مع الاستمرار بمحاصرتها من خارجها بميليشيات المستوطنات اضافة الى الجيش الاسرائيلي نفسه.
كذلك فهو قد قطع على نفسه عهداً بإقفال ملف الاميركي الذي صار اسرائيلياً بعدما ضبط وهو يتجسس على بلاده، جوناثان بولارد، خلال شهر، تلبية لمطلب نتنياهو »الانساني« بعدما اضطر الى الاعتراف بأن »تبرئة بولارد مستحيلة لان ليس هناك ما يبرئه«.
ثم انه تعهد لنتنياهو بان يكون الشاهد »الدولي« على ان سلطة عرفات قد تخلت ليس فقط عن فلسطينيي الخارج وحقهم في العودة، وليس فقط عن معظم الارض الفلسطينية، وليس فقط عن حق السيادة على ما في »عهدتها« من الارض تحت الاحتلال »الواقعي« الاسرائيلي، بل كذلك وهذا هو الاخطر عن حق الاجيال الآتية في النضال من اجل حقوقهم في هويتهم وفي »بعض« ارضهم وفي الحلم بدولة ما.
فالمطلب الاسرائيلي (الاميركي الآن)، في حقيقته، ليس اسقاط البنود المتعلقة بتدمير الكيان الاسرائيلي، بل هي تلك التي تؤكد حضور »الفلسطيني« وحقوقه كافة، والتي تمتد من الاعتراف به كانسان ثم »كملاَّك« ثم ككائن سياسي من حقه ان يحلم وان يعمل لاقامة دولته فوق المتبقي من ارضه… المقدسة، خصوصاً وقد سقاها بدمه على امتداد ثمانين سنة تقريباً (هي فترة ما بعد وعد بلفور..).
لقد جاء الرئيس الاميركي، كما يقول، لانقاذ اتفاق واي،
لكن الوجه الاخر لزيارته يتمثل في ما أخذه وسوف يأخذه من الفلسطيني لحساب اسرائيل، وليس فقط لحساب حكومة التطرف ورئيسها.
فاولبرايت تقول صراحة: يرضينا ما يرضي نتنياهو،
وما يرضي نتنياهو هو ان يتم الاعتراف الرسمي والمعلن والدائم بإسرائيل بوصفها »القوة العظمى« الرديفة، وصاحبة القرار في شأن هذه المنطقة العربية: هي من يحدد حجم »الحضور« الفلسطيني كأقلية تحت الحماية الاسرائيلية، ومساحة لبنان، ودور سوريا، والمدى الحيوي لمصر، ووظيفة النفط العربي مستقبلا، واي الانظمة الاقتصادية يعتمد العرب بحيث تكون اسرائيل وحدها الصانع والتاجر والبائع والمصرف والوسيط … والعصا لمن عصا!
انه يريد ان يخضع عبر الفلسطينيين العرب جميعا،
وهو يريد »شطب« فلسطين كقضية، نهائيا، اولا على المستوى الاسرائيلي، ثم على المستوى العربي، مع إضفاء شرعية دولية على هذا »الشطب« بوجود الشاهد الاخطر: الرئيس الاميركي.
بعض الشكل لعرفات و»سلطته« داخل المحمية الاسرائيلية ولكن المضمون اسرائيلي بداية وانتهاء. انها زيارة جنائزية يتم فيها تشييع »الجثمان الطاهر« للعملية السلمية التي وُئدت بعد فترة وجيزة من ولادتها،
انها مهمة ناجحة تماما: اسرائيل هي »الدولة« الوحيدة في المنطقة، والباقي رعايا لها، بعضهم كأقليات قومية داخل »كيانها«، والبعض الآخر كمحميات او مستعمرات او… عصاة يتم تأديبهم بالعصا الاميركية حيث لا تطال العصا الاسرائيلية.
إنها زيارة تؤكد ان كلينتون اكثر تطرفا من نتنياهو نفسه،
وربما لهذا يمكن التسامح مع الأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية المضربين عن الطعام حتى الموت، حىن هتفوا من خلف قضبان زنزاناتهم: يا كلينتون يا جبان.. روح دور ع النسوان«!!