طلال سلمان

خوف من »الداخل« وليس من شارون

آخر من وما يخيف اللبنانيين هو: أرييل شارون وتاريخه الدموي!
ربما لأنهم قد عرفوه وهو في ذروة عنجهية القوة والبطش والتعطش إلى دم الضحايا، أطفالاً ونساءً وشيوخاً ورجالاً محاصرين ومعزولين و»منبوذين« ومتروكين للريح..
وربما لأنهم قد كافحوا طويلاً، وبضراوة، حتى انتصروا على »حزبه« من »الشارونيين« الذين أفادوا من احتلاله ومن مجازره فقفزوا إلى قمة السلطة في بيروت، واندفعوا يستقوون بجيش الاحتلال على أخوتهم في الوطن متوغلين في الحرب الأهلية جبلاً وساحلاً وداخلاً حتى كاد لبنان يتناثر أشلاء ومزقا لولا وعي الأكثرية الساحقة من أبنائه والنجدة السورية القوية التي حمته من الاحتلال كما من حمى التقسيم لمصلحة المحتل.
ثم ان صورة »السفاح« التي طاردت شارون طويلاً على امتداد العالم مما اضطر »دولته« إلى إدانته في محاولة لتبرئة نفسها من وحشيته، والتي تحاصره الآن وقد قفز إلى قمة السلطة، هي تلك التي خرج بها من لبنان، والتي لم يقو مرور الزمن على محوها أو التخفيف من بشاعتها.
على ان اللبنانيين الذين يعيشون في قلق متعاظم مصدره أوضاعهم الداخلية، يتخوفون الآن أن يفاقمه تولي هذا »السفاح« زمام الأمور في إسرائيل.
إن قلق اللبنانيين يتصل بالتشققات في جسم سلطتهم السياسية، كما بالأزمة الاقتصادية التي يشتد ضغطها على واقعهم الاجتماعي فيهدده بالتفجر، لا سيما أن الغرائز الطائفية والحساسيات المذهبية في ذروة استنفارها وهي لا تحتاج إلى أكثر من عود ثقاب لكي ينتشر لهيبها من الأطراف إلى القلب والعكس بالعكس.
لا توسيع الوزارة بما جعلها تماثل سفينة نوح التي فيها من كل زوجين اثنان أسقطت ذرائع المطالبين »بالمصالحة الوطنية«، ولا وقف الإصلاح الإداري ومن ثم فتح الملفات والمحاكمات، أدى إلى انتظام ما يسمى ب»الحوار الوطني«، ولا المجلس النيابي بجمهور ناخبيه اللجب ومعه المجلس الاقتصادي الاجتماعي والمجلس الوطني للإعلام، وسائر المجالس التي لا يعرف أحد لها وظيفة حلت مشكلة »الركود« السياسي والاقتصادي وفرجت كربة المستبعدين والمطالبين بمشاركة سبق لهم أن رفضوها بتشاوف الواثق من قدرته على أن يكون »الزعيم الأوحد« أو »المستبد العادل« بلبنان واللبنانيين.
ربما لهذا ضيّع لبنان على نفسه مكاسب وانتصارات تاريخية هو بأمسّ الحاجة إليها لمواجهة مصاعبه الذاتية، كما لمواجهة التحولات والتطورات من حوله وبينها قفزة شارون إلى رأس هرم السلطة في إسرائيل.
تكفي الإشارة إلى إهدار النصر المجيد الذي حققه لبنان المقاوم على الاحتلال الإسرائيلي، وكيف كادت تطمسه مسألة »العملاء« الذين خدموا العدو عقدين من الزمان ثم لجأوا إليه خوفا من وطنهم، أو بعض الحوادث الأمنية التافهة والتي يحدث أفظع منها في قلب بيروت من دون أن ينتبه إليها أحد،
ناهيك بمقولة إرسال الجيش اللبناني ونشره (بالقطار الأحادي) على امتداد الحدود الجنوبية وبأكثر مما تطلب إسرائيل أو يحق للأمم المتحدة أن تطالب.
إن بلدا أوضاعه بهذه الهشاشة لا بد أن يخاف من واقعه، فضلاً عن الخوف من أن يستغل عدوه هذا الواقع لمصلحته، وسواء أكانت قيادة العدو في يد شارون أم أي إسرائيلي آخر.
على أنه لا بد من بعض الملاحظات على الموقف العربي من التطورات في إسرائيل، وانعكاسها المحتمل على لبنان المزدهي بنصره الوطني القومي، والقلق من وعلى أوضاعه الداخلية:
أولى الملاحظات ان رد الفعل العربي من التبدل في السلطة الإسرائيلية يتقافز بين أقصى درجات الرعب وأقصى درجات الاطمئنان والأمل، بلا أي تبرير منطقي.
وفي السنوات العشر الأخيرة، مثلا، تناوب على رئاسة الحكومة في إسرائيل كل من: إسحق شامير وإسحق رابين وشيمون بيريز وبنيامين نتنياهو وإيهود باراك، قبل أن يتسنم السدة أرييل شارون. ولو صدقنا التعليقات العربية والتوقعات لافترضنا أن إسرائيل قد انقلبت على نفسها وبدلت ثوابتها واتجاهات سياستها ست مرات في عشر سنوات، على أقل تعديل.
صحيح أن إسرائيل مأزومة، وأن أزمتها السياسية شديدة التعقيد، وأنها لا تكاد تستقر على كنيست أو حكومة.. لكن اقتصادها ينمو بمعدلات قياسية، ومبيعاتها العسكرية صنفتها خامس دولة في العالم في تصدير الأسلحة والمعدات الحربية، وعلاقاتها الدولية (ومن ضمنها العربية) تتنامى بمعزل عن مدى »الجاذبية« في شخص رئيس حكومتها أو النفور منه..
ثانية الملاحظات الأخذ بالتصنيفات »التاريخية« للقوى السياسية في إسرائيل، مع تناسي التكوين العنصري لمجموعها. اننا نسقط كلمة »الصهيوني« عن التلاوين السياسية في إسرائيل فتصير أحكامنا خطأً مطلقاً لأن »الصهيونية« ليست صفة مضافة بل هي جوهر التكوين. فاليمين صهيوني واليسار صهيوني، والتصنيف داخل الحركة الصهيونية وليس مطلقا، ولذلك يسهل على أي سياسي التنقل بين الأحزاب المختلفة بمعزل عن لافتاتها العقائدية الوهمية والتي لا يأخذ بها إلا مَن يريد طمس هوية إسرائيل العنصرية.
ثالثة الملاحظات ان التحولات التي طرأت على »المجتمع الإسرائيلي« لها أسبابها المتصلة بحجم المقاومة التي لقيها المشروع الصهيوني، كما بتنوع الهجرات التي استقدمت إليها مئات الآلاف من الهاربين من أوطانهم، يهودا وغير يهود، والذين اتخذوا منها صالة ترانزيت في انتظار »فيزا« إلى جنة الأرض.. الأميركية.
وبالتالي فإن الفروق بين جنرالاتها تتصل بحجم المقاومة التي تصدت لأطماعهم التوسعية، وليست نتيجة »تطور فكري« أو استفاقة متأخرة لمشاعرهم الإنسانية، أو نتيجة لفروق جوهرية في النشأة أو في العقيدة أو في الثقافة بين قادتها العنصريين بمجموعهم.
على هذا فأرييل شارون لا يخيف لبنان الذي قاوم فانتصر،
ولا هو يخيف سوريا التي صمدت على مطلبها المنطقي والبسيط ولم تتراجع،
ولا هو يخيف فلسطين التي تتوالى انتفاضاتها وتحفر طريقها إلى حريتها بتضحياتها العظيمة وبدماء شهدائها الأبطال.
الخوف من الداخل، دائماً،
والعدو يصير مخيفاً بقدر ما يفيد من توظيف »الداخل« لمصلحته.

Exit mobile version