ألحقت الحكومة التي شقها القرار الخطأ، أمس، إهانة لا تغتفر بالكرامة الوطنية وبمصالح لبنان الحيوية وموقعه في قلب أمته العربية، كما بدماء شهدائه الأبرار في معارك التحرير التي انتهت بإجلاء العدو الإسرائيلي، بموقف «الامتناع» الذي اتخذته ـ في غياب التوافق الوطني ـ عند التصويت على القرار الأميركي المدوّل والمجهّز سلفاً لفرض عقوبات جديدة على دولة صديقة هي إيران.
كان البديهي الالتزام بالموقف المتفق عليه أصلاً، والذي غيّرته ضغوط معروفة المصدر في اللحظة الأخيرة: فهل أقل من أن يقف العرب جميعاً، ولبنان طليعتهم، إلى جانب تركيا والبرازيل، استنقاذاً لشرف الأمة؟!
إن دماء المتطوعين الأتراك الذين هبّوا لنجدة الشعب العربي الفلسطيني في غزة ما تزال تخضب مياه المتوسط.
ثم إن الاتفاق الذي أنجزته الدولتان الصديقتان تركيا والبرازيل مع إيران كان يفترض أن يطمئن الخائفين من «احتمال» أن تنجح إيران في صنع سلاح نووي، خصوصاً أن مرجعها الأعلى، الديني والسياسي، كان قد أفتى بتحريمه شرعاً، محتفظاً بحق بلاده في تطوير الاستخدام السلمي للطاقة بما يخدم شعبه الطامح إلى اللحاق بركب التقدم الإنساني.
وكان البديهي أن ينتبه الخائفون من غضب الإدارة الأميركية، ومن معها من أهل النظام العربي الذين تركوا لبنان لمصيره في مواجهة الحرب الإسرائيلية في تموز 2006، ثم تركوا غزة لمصيرها في مواجهة الحرب الإسرائيلية مع نهاية العام 2008، إلى أن هذا الموقف الجبان سيترك آثاراً خطيرة على مسيرة الوفاق الوطني.
إن شرط بقاء هذه الحكومة هو «التوافق» الذي يفترض تجنب الاستقواء بالتصويت الذي سيذهب بهذه الصيغة الهشة بتوازناتها الدقيقة.
وقبل أن نلتفت إلى سمعة لبنان إقليمياً ودولياً علينا أن ننتبه إلى أن كل مواطن يشعر بكثير من الخجل، وربما بالمهانة، بسبب هذا الموقف الذي لا يمكن الدفاع عنه… فلبنان الذي لما يفرغ من تضميد جراحه لا يجوز أن يأخذه الغلط إلى الجهة الأخرى فيقف «محايداً» تجاه من نصره وشد أزره وساعده على إعادة بناء ما هدمته الحرب الإسرائيلية عليه، والتي ستظل مفتوحة إلى أمد غير معلوم.
بل لقد كان على لبنان أن يتقدم تركيا والبرازيل في التصويت ضد فرض المزيد من العقوبات على إيران التي لم تقصّر أبداً في نجدته وفي الوقوف إلى جانبه في السرّاء والضرّاء، وهذه مساهماتها في إعادة إعمار ما هدمته الحرب الإسرائيلية شاهد ناطق… وليس هكذا يكافأ الأصدقاء!
ثم… ماذا لواشنطن ومن معها من «أفضال» علينا توازي ما خسره لبنان من رصيده المعنوي، عربياً ودولياً، ومن كرامة علاقاته مع الدولتين الصديقتين البرازيل وتركيا التي تصادمت مع حليفها الأكبر، الإدارة الأميركية، وكادت تقطع مع إسرائيل التي كانت «صديقها الأقرب» على امتداد نصف قرن، التزاماً بموقف منصف من إيران التي تمثل في هذه الحالة كل شعوب العالم الثالث الممنوعة من التقدم ودخول العصر.
إنه موقف مخزٍ كان على لبنان أن يتجنبه. ومداراة الانشقاق الداخلي بالامتناع عن التصويت قد أفقدتنا التماسك الداخلي ولم تكسبنا احترام الخارج.
إنه خطأ سياسي فادح سيدفع ثمنه لبنان جميعاً نتيجة تسرّع من تورّط وورّط لبنان فيه.
وإنه للكبر من تركيا أن تظهر تفهمها، مع البرازيل، لموقفنا الذي لا يمكن الدفاع عنه.
وكذلك ستكون شهامة من إيران أن تغفر لنا هذا الموقف خارج السياسة بما هي الحرص على المصالح الوطنية.
والمصالح الوطنية هي التي تعطي الحكم، أي حكم جدارته، أما السير على حبل مشدود بين الصح والغلط فلعبة مكشوفة نفقد معها الصديق ولا تجنّبنا أذى العدو.