من المصادفات القدرية أن كثيراً من الضربات التي توالت على قضية فلسطين وأهلها قد حصلت في شهر أيلول: بدءاً بانهيار دولة الوحدة بين مصر وسوريا بقيادة جمال عبد الناصر في 28 أيلول 1961، وانتهاء باتفاق اوسلو بين منظمة التحرير الوطني الفلسطيني والعدو الاسرائيلي في 13 أيلول 1993.
تبرز على طريق الجلجلة الفلسطينية، في هذا السياق، الحرب التي شنها في أوائل أيلول 1970 النظام الأردني على المقاومة الفلسطينية التي كانت تتخذ من الأردن قاعدة خلفية لمقاتليها، بذريعة الخوف على (الملك ـ الحارس..)، وهي حرب كادت تصبح عربية اسرائيلية عندما دخلت قوات سورية الأردن تحت شعار «حماية المقاومة»، واستنفرت قوات عراقية كانت فيه، فتحركت إسرائيل للتدخل حماية للعرش.. لكن الإدارة الأميركية أنذرت الأطراف جميعاً، بعدما جهزت قواتها للتدخل، فانسحب الجيش السوري والقوات العراقية، وبالمقابل تحرك الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فدعا إلى قمة عاجلة لوقف المذبحة، وبلغت المأساة ذروتها بوفاة عبد الناصر.
بعد اثني عشر عاماً من تلك المذبحة حفلت بكثير من الضياع عن طريق الثورة باغراءات السلطة، كانت منظمة التحرير تجبر على إخراج مقاتليها من لبنان، حيث حاولت قيادتها ان تكون فيه البديل من سلطته، تحت ضغط الاجتياح الإسرائيلي الذي اقتحم العاصمة بيروت التي «احترقت ولم ترفع الأعلام البيضاء»، ونصب رئيساً للجمهورية سرعان ما اغتيل فنصب أخاه بديلاً منه في ثكنة عسكرية.
وفي الوقت الفاصل بين «الانتخابين» أشرف جيش الاحتلال الاسرائيلي على تنفيذ مذبحة جماعية ضد أهالي مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين (وفقراء كثر آخرين فيهم لبنانيون وسوريون) استمرت ثلاثة أيام بلياليها، بين 16 و18 أيلول 1982 وذهب ضحيتها أكثر من الف وخمسمئة رجل وامرأة وطفل… وقد حاول المحتل الاسرائيلي تحميل مسؤولية المذبحة «للقوات اللبنانية» !
وكان ان فرض على المقاومة ان ترحّل مقاتليها (وعائلاتهم)، عشية الأول من أيلول 1982 بحراً، بوساطة دولية متعددة الاطراف، وفي بواخر قدمها الغرب، إلى اليونان، ومن هناك إلى تونس، بعيداً بما يكفي عن فلسطين، كي تطمئن إسرائيل إلى أمنها.
بعد ذلك، كان على قضية فلسطين ان تنتظر حتى وقف الحرب العراقية ـ الإيرانية، ومن ثم انتقام صدام حسين ممن حرضه ودفعه إلى تلك الحرب فمولها، باجتياح الكويت في الثاني من آب 1990… فكانت «حرب تحرير الكويت» التي قادها الرئيس الأميركي جورج بوش الأب، بمشاركة عربية.
… وجاءت «الجائزة» للمشاركين في هذه الحرب عبر «مؤتمر مدريد للسلام»، الذي أعاد فتح باب المفاوضات بين العدو الاسرائيلي والأطراف العربية، وبالذات سوريا ولبنان والأردن… وقد أشركت فيها منظمة التحرير، رمزياً، عبر عضوية غير منظورة في الوفد الأردني.
… وكان ذلك التبرير الفعلي للتفرد الفلسطيني بالتفاوض سراً في العاصمة النرويجية اوسلو، حتى تم الوصول إلى اتفاق اوسلو في 13 ايلول 1993.
… وها هو خريف النضال يتواصل مسقطاً العديد من الرايات التي كانت وعداً بالانتصار!
عن «أيلول» بكل ما حفل به من مذابح سياسية وإنسانية ونكسات وسقطات، هذا العدد من «فلسطين»، حتى لا ننسى، وحتى نستنقذ الغد.