طلال سلمان

جنون العظمة..

عندما اختارت الإدارة الأميركية دنيس روس لمنصب »منسق مفاوضات السلام« بين العرب والإسرائيليين، كان همه الأول أن يؤكد للأطراف العربية أن يهوديته لن تؤثر على موضوعيته.
وفي لقاءاته الأولى مع المسؤولين العرب، وفي أكثر من عاصمة عربية، كان دنيس روس حريصù على »تمرير« معنى محدد عند تقديم نفسه، يفيد بأنه مواطن أميركي، يمثل الولايات المتحدة الأميركية، وينقل مواقف الادارة الأميركية ويعبّر عنها من دون أن يؤثر انتماؤه الديني على هذه الحقيقة، فالدين أمر شخصي لا علاقة له بموقعه أو بمهمته.
وبرغم تكرار اللقاءات التي ساعدت في خلق مناخ من »التعوّد« وربما بعض الود الشخصي، فإن أكثر من مسؤول عربي، في بيروت كما في دمشق، ظل يتعامل بكثير من الحذر والتحفظ مع دنيس روس »الذي لم ينجح أبدù في أن ينسينا كونه يهوديù«!
بل لقد سمع دنيس روس مباشرة تلميحات قاسية من بعض كبار المسؤولين العرب تأخذ عليه تحيزه بحيث يبدو وكأنه »إسرائيلي أكثر منه أميركيù«..
وكان هؤلاء المسؤولون يظهرون قدرù من الإشفاق على وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر »المحاصر بعصابة من اليهود المتعصبين المستعدين لإبلاغ إسرائيل بكل ما لا يرضيهم من طروحاته أو تعليقاته على مواقفها المتعنتة«..
وشهيرة، ومتعددة هي المرات التي تدخّل فيها دنيس روس معترضù أو »مصححù« أو مسفِّهù رأي رئيسه الوزير كريستوفر، الذي كان لا يتورع عن إظهار امتعاضه، أحيانù، وربما وصل إلى تجاوز التعليق الاعتراضي ومواصلة حديثه وكأن ما قاله روس هو مجرد رأيه الشخصي.
ومن قبل كريستوفر كان دنيس روس يرمي جمله الاعتراضية في حضور جيمس بيكر، لكن الوزير السابق كان يزجره فيرتدع، ولو على مضض.
دنيس روس هذا مهدد الآن في موقعه في الخارجية الاميركية بتهمة انه »من المتعاطفين مع العرب«، او هكذا صنفه بنيامين نتنياهو وبطانته!
وبغض النظر عن مدى الصحة في هذا الاتهام الملفق فإن الخطر في الأمر هو حجم »النفوذ« الاسرائيلي داخل الادارة الاميركية وتأثيرها غير المحدود على تركيبتها الداخلية ومن ثم على قراراتها، لاسيما في ما يتصل بالصراع العربي الاسرائيلي.
لقد تخلى الاسرائيليون عن تواضعهم او مداراتهم، واخذوا يتباهون بالحجم المتورم لاعداد اليهود في المواقع المفاتيح داخل الإدارة الاميركية بدءا بالبيت الأبيض مرورا بالخارجية وصولا الى البنتاغون وانتهاء بالمخابرات المركزية التي يقودها الآن »يهودي«.
ويمكن لجريدة »معاريف« الاسرائيلية التي نشرت قبل فترة قائمة بأسماء اليهود الممسكين بمفاتيح الادارة الاميركية، في مختلف المواقع الحاكمة، ان تنشر الآن قائمة ثانية بأسماء اليهود المرفوضين والمخرجين من تلك الادارة بسبب من اتهامهم بنقص ولائهم لاسرائيل!
ان جنون العظمة الذي يمارسه التطرف الاسرائيلي بلا حد، والامثلة عديدة على خضوع قوى دولية ذات وزن للابتزاز الاسرائيلي اليومي، فإذا هي تبدّل في حكامها او في سياساتها خوفا من النفوذ اليهودي.. الكوني.
وليس معروفا بالدقة ما اذا كان هذا الخضوع نتيجة ضعف غير منطقي عند القوى العظمى، او نتيجة ائتلاف بين المصالح بين هذه القوى وبين اسرائيل على قاعدة العداء المشترك للعرب الفاقدين دورهم واموالهم ووزنهم، وغالبا بسبب الغباء او القصور او الجبن عن مواجهة ما لا بد من مواجهته.
كذلك ليس من الحصافة المراهنة على ان جنون العظمة الاسرائيلي الذي بلغ ذروته الآن مع نتنياهو وجنرالاته وحاخاماته المتعصبين، سيقود وحده اسرائيل الى الانتحار!
لا مفر من المواجهة، والضحايا هم المرشحون لأن يكونوا الطليعة.

Exit mobile version