إنه المونديال…
لكن العالم الآن في شغل شاغل عنه: إنه يعيش حالة قلق غير مسبوقة على مصير الجندي الإسرائيلي الأسير!
جندي إسرائيلي واحد أخذته أسيراً من موقعه القتالي مجموعة من أبناء الشهداء الذين سفحت دماءهم آلة الحرب الإسرائيلية ومن أبناء الأسرى المحتجزة أعمارهم وآمالهم وحقهم في الحياة في السجون والمعتقلات الإسرائيلية حتى قيام الساعة..
هذا الجندي الإسرائيلي، الأسير مقابل شعب فلسطين جميعاً..
بل إن هذا الجندي الأسير يزيد في قيمته وأهميته على اثنتين وعشرين دولة عربية بملوكها ورؤسائها وسلاطينها والأمراء فضلاً عن القادة الأفذاذ، وبينهم مَن يحكم عشرات الملايين، وبينهم مَن يتحكّم نظرياً بأعظم ثروات الأرض، وكلهم يتبارون في إثبات إخلاصهم وولائهم للإدارة الأميركية، الإسرائيلية الهوى والمصالح، وجلهم قد استقال من مهمة تحرير فلسطين، ومن التصدي للاحتلال (إسرائيلياً بالأساس وأميركياً في العراق وما حوله)، بل هو استقال قبل ذلك من عروبته ومن دينه الحنيف أيضاً.
جندي إسرائيلي أسير واحد يتقدم الآن على مشاغل الدول كبراها وأقواها والاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي والصين، ويكاد يتفرّغ الكبار من مسؤوليها للعمل من أجل إطلاقه، بتهديد الفلسطينيين، سلطة لا تملك من أمرها شيئاً وشعباً من اللاجئين داخل أرضهم ومن حولها وفي الشتات..
جندي إسرائيلي أسير واحد فضح مكانة العرب بين الأمم، وكشف هشاشة أنظمتهم التي يتملّكها الرعب من مواجهة الغضب الإسرائيلي المعزز بهذا الحجم غير المسبوق من التأييد الدولي للتهديدات الإسرائيلية المفتوحة التي تجاوزت فلسطين إلى سوريا، ومعها وعبرها إلى لبنان، وإلى كل مَن يجرؤ على المجاهرة بتأييد عملية أسر الجندي من أجل فرض عملية تبادل محصورة بالأسرى الفلسطينيين من النساء والأطفال وحدهم من دون الآلاف التسعة ممن تحبسهم إسرائيل ضمن الحبس الأكبر: بلادهم المرتهن حاضرها ومستقبلها للدولة العنصرية المفردة..
جندي إسرائيلي أسير واحد فضح الأنظمة العربية، مرة أخرى، فتبرّع بعضها بدور الضاغط على الفلسطينيين، ولو تحت اسم الوساطة ، بينما أعلن البعض الآخر براءته منهم، في حين انحاز بعض ثالث إلى إسرائيل من دون وجل أو حياء أو مداراة لمشاعر شعبه، قبل الحديث عن العروبة والالتزام القومي بالقضية المقدسة.
جندي إسرائيلي واحد وقع في الأسر، وأُخذ من داخل موقع قتالي، تبدى أعظم أهمية من مصائر دول وشعوب، وفضح التواطؤ الدولي المغطى بالرعب من احتمال أن يتهم المتهاون أو المتجاهل بمعاداة السامية..
والأرجح أن العالم لن ينام هذه الليلة، وسيتآكله القلق من أن يُقدم أبطال عملية كرم سالم على التصرّف بأسيرهم، بعدما يئسوا من اهتمام العالم بقضيتهم ولو بنسبة واحد في المليون من اهتمامه بالجندي الذي لم يكن في نزهة خلوية بين مدافع الموقع ودباباته المهيأة لتدك غزة وبيت حانون وبيت لاهيا وخان يونس ورفح والشواطئ التي باتت المتنزهات اليتيمة للشعب الأسير.
جندي إسرائيلي واحد وقع في الأسر فإذا دولة إسرائيل تستنفر العالم كله، الذي لم يتوقف لحظة أمام جرائم الاحتلال الوحشية والمتواصلة على مدار الساعة: انطلق موفدوها إلى دول الشرق ودول الغرب وتحركت المنظمات الصهيونية في أربع رياح الأرض تحشد التأييد لتدمير فلسطين على رأس شعبها، وتدمير المخيمات الفلسطينية في دمشق تحديداً (بقنابل زنة الواحدة منها طن، كما روّجت الدعاية الإسرائيلية) فضلاً عن تهديد الرئيس السوري بالاسم، بعد إطلاق الطائرات الحربية لتحلّق فوق غرفة نومه عله يتنصل من فلسطين أو يأخذه الرعب من التهديد فيتولى بنفسه الضغط لإطلاق الأسير… وله في ذلك من زملائه في نادي القمة العربية المثل و السابقة .
جندي إسرائيلي واحد وقع في الأسر فإذا العرب جميعاً رهائن، وإذا الدول جميعاً في أسر النفوذ الإسرائيلي… وهذه شهادة إضافية على غياب الدول العربية التي سقطت حتى في امتحان الوساطة والشفاعة. فمن لا هيبة له تحمي كرامته ودوره لا تقبل شفاعته عند من كان عدواً، فكيف عند الضحية الدائمة لهذا العدو، ولهذا الشقيق الذي تحوّل إلى نصير للعدو.
وحمداً لله أن هؤلاء الملوك والرؤساء والسلاطين والأمراء… إلخ، لم يتداعوا إلى قمة ولم يوفدوا وزراءهم إلى لقاء، ولم يتحركوا دولياً ليحركوا مجلس الأمن، مثلاً، وإلا لصارت الفضيحة أكبر وأخطر وأكثر إهانة للأمة جميعاً..
إنه المونديال..
لكن جندياً إسرائيلياً واحداً وقع في الأسر، بينما هو في مهمة قتالية ضد شعب أسير في وطنه الأسير، بدا أهم لدى دول العالم أجمع، ولدى الدول العربية على وجه الخصوص من قضايا الحرب والسلم.
إنه المونديال…
لكن جندياً إسرائيلياً واحداً وقع في الأسر كشف أن العرب جميعاً في الأسر، بملوكهم وسلاطينهم ورؤسائهم والأمراء والقادة الأفذاذ…
ومن حق هؤلاء العضاريط الصناديد أن يعتبوا على المغامرين الفلسطينيين أنهم أفسدوا عليهم متعة المونديال، واستحقوا اللعنة والعقاب اللذين تقرّرهما إسرائيل على مفسدي اللذات… لا سيما الملكية والرئاسية منها!