من حق اللواء (النائب الآن) جميل السيد أن يحظى بتقدير خاص من المحكمة الدولية في لاهاي التي تنظر، منذ سنوات عدة، في قضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري ومن كان معه في الموكب او في مكان قريب من موقع التفجير فذهب ضحية له.
لقد أكد اللواء السيد أن المتهم ظلماً وعدوانا هو “سلطان” عندما تجيء ساعة الحقيقة، وان التجني ينقلب، بالنتيجة، على “بطله”، وان محاولة استغلال الجريمة الشنعاء التي هزت لبنان وسوريا والسعودية، وسائر العرب، اضافة إلى العديد من دول العالم ذات العلاقة، قد ارتدت على اصحاب الغرض السياسي الذين حاولوا توظيفها لأغراضهم ليس في لبنان وحده، بل على مستوى المنطقة.
ويمكن القول الآن، براحة ضمير، أن الغلط قد بدأ مع اللجنة الدولية التي كلفت بالتحقيق ـ والتي انطلقت ـ منذ اللحظة الأولى وبدعم وتوجيه من بعض الدوائر السياسية الدولية وبتسليم من الجهات القضائية في لبنان ـ وقد حددت، بقرار منها ومن بعض اهل القضاء اللبناني، أسماء “القتلة” وعينت “شهود الاثبات” وأصرت على الطعن في صدقية القضاء في لبنان وعلى انشاء محكمة دولية خاصة وفي مكان بعيد جداً عن موقع الجريمة.. ثم انه مكلف جداً على الخزينة اللبنانية.
هذا مع العلم أن ثمة جرائم على القدر نفسه من الخطورة، بينها جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي، تمت اجراءاتها جميعاً في لبنان، وجرت محاكمة المتهم بارتكابها (سمير جعجع ومن معه)، وقد امتدت شهوراً طويلة، وفي ظروف امنية لم تكن أقل خطورة من تلك التي رافقت واعقبت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري… وقد تمكن المجلس العدلي في لبنان برئيسه واعضائه من القضاة المميزين بالكفاءة والنزاهة أن يسيروا بالمحاكمة حتى نهايتها: استمعوا إلى الشهود، والى مرافعات محامي الادعاء ثم محامي المتهمين، التي امتدت لشهور طويلة.. وكانت الصحف تتابع الحدث وتنشر وقائع المحاكمة وتصريحات السياسيين المؤيدين والمعارضين.
وحين أصدر المجلس العدلي حكمه المبرم سلم الجميع بأنه قد نطق حقاً، ولم يخرج تصريح يشكك في الحكم، ولم تسير تظاهرة ضده، ولم يطعن أحد في نزاهة القضاء.
بقي سمير جعجع، وبشكل استثنائي، في زنزانة خاصة في مبنى وزارة الدفاع الوطني في اليرزة، ولم يخرج منها ـ ويا للمصادفة ـ الا بعفو استثنائي وخاص جداً اثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
لعل اللبنانيين قد انتبهوا اليوم، ولو متأخرين، إلى انه لم يكن من داع لهذه المحكمة في لاهاي التي كلف خزينة الدولة المنهكة مئات الملايين من الدولارات..
ولعلهم قد انتبهوا، متأخرين ايضا، إلى الاهانة التي الحقت بقضائهم وأهله، ومنهم من اضطرت المحكمة الدولية في لاهاي إلى الاستعانة بهم، مؤكدة تسليمها بقدراتهم وكفاءتهم.
المهم أن اللواء جميل السيد قد اثبت، مرة أخرى، أن الحق سلطان، وان الاتهامات الكاذبة ستتساقط بمرور الأيام، وستسطع الحقيقة باهرة وكاشفة تجار الدم والمستفيدين من الزور والتزوير والتسبب في وضع لبنان، لسنوات، على حافة هاوية الفتنة الطائفية.
رحم الله الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان وطنه الصغير لبنان، أحق بأن يثأر لدمه من القتلة ومن دربهم ورعاهم وحماهم بعد تنفيذ هذه الفاجعة الوطنية التي كادت تزلزل هذا الوطن الصغير وتنشر فيه نار الفتنة.