لعل أكثرية العرب لم ينتبهوا الى أن جامعة الدول العربية ستبدأ اليوم، في مقرها بالقاهرة، دور انعقادها الرقم 110، وعلى مستوى وزراء الخارجية.
ولعل من انتبه قد أشاح بوجهه عن هذا »الخبر« ملتفتا الى غيره من الأخبار الساخنة التي تنذر بمخاطر غير محدودة تتهدد العرب (والمسلمين) في غير موقع، وربما في أسباب سلامتهم كشعوب وكدول تعيش قلقا جديا على مصائرها ذاتها وليس فقط على كياناتها أو على مستوى معيشتها البائس.
ذلك أن هذه المؤسسة العريقة تعاني الشلل وتفتقد القدرة على التأثير، نتيجة للانقسام الحاد الذي يعصف بدولها، وهو انقسام طاول المقدسات والمحرمات، وألقى بظل إسرائيل (وهي العدو القومي) ثقيلاً ومعطِّلاً ومانعاً للإجماع وللقرار المطلوب والضروري والمتناسب مع مخاطر اللحظة السياسية، وهي مصيرية.
وما بين كل اجتماعين لمجلس الجامعة تتزايد بنود جدول الأعمال، وتتعاظم المهمات التي تفتقد من يقوم بها، لكن الحرص على بقاء هذا الرابط وحاجة الجميع إليه يوصلهم إلى لقاء على الحد الأدنى، ويمنع الانهيار الشامل.
من قبيل التلخيص السريع تمكن الإشارة الى أهم البنود على جدول أعمال هذه الدورة، ومعظمها طارئ أو مستجد:
1 العدوان الأميركي على السودان (إغارة الطائرات الحربية الأميركية على مصنع الشفاء للأدوية في ضواحي الخرطوم).
2 الإعلان رسميا عن قيام الحلف التركي الإسرائيلي تحت الرعاية الأميركية المباشرة، وتوكيد المشاركة الأردنية فيه، مع وعي كامل بطبيعة هذا الحلف كإعلان للحرب على كل العرب، وليس سوريا فقط ومعها لبنان، أو العراق فقط ومن خلفه الجزيرة والخليج.
3 تصاعد حدة التهديدات الإسرائيلية المباشرة للبنان وتوجيه إنذارات بلسان كبار المسؤولين بتدمير البنى التحتية، إضافة الى إعادة الضرب على الوتر الطائفي بتحريك مسائل ذات حساسية خاصة (وضع جزين)، والعودة الى/أو تجديد عمل شبكات التخريب في بيروت و»الداخل« اللبناني (والسوري) عموما.
4 الفشل المدوي »للجهود الأميركية« في إقناع حكومة نتنياهو بضرورة القبول بالتنازلات الجديدة للقيادة الفلسطينية عن معظم أراضي الضفة الغربية المحتلة ورضاها بعُشرها فقط!
هذا قبل الوصول الى رياح السموم التي تهب من أفغانستان منذرة بشر مستطير وبفتنة كبرى لا تبقي ولا تذر، وهي فتنة ستطاول بالأذى عموم المسلمين وبينهم أو في طليعتهم العرب.
أما العراق واستمرار حصار التجويع عليه،
وأما ليبيا واستمرار التعنت في فرض العقوبات عليها،
وأما الحرب الأهلية في الجزائر وتطوراتها الأخيرة التي باتت تهدد الكيان الوطني لهذه الدولة الفتية في وحدة شعبها وأرضها،
وأما الحرب الأهلية في السودان بكل نتائجها المخيفة والتي جاءت الكوارث الطبيعية تزيد من خطورتها بتعريض ملايين السودانيين لخطر الموت جوعاً أو غرقاً أو برصاص المقتتلين أو بحروب الحدود المفتوحة لكل أنواع المغامرين والمغامرات.
أما ذلك كله فأخطر من أن تستطيع الجامعة العربية أن تقرر فيه، مهما بلغت كفاءة رئاسة الدورة، ومهما حسنت النوايا في حسن استجابة الأعضاء.
مع ذلك يمكن الأمل ببداية متواضعة لوقف الانهيار أو للحد من تداعياته المفتوحة على كل المخاطر،
والبداية عودة الى الالتزام (أو الالزام؟) بمقررات القمة العربية (الأخيرة في هذا القرن؟!) حول هرولة المهرولين العرب الى »السلام الإسرائيلي«.
إن أي حديث عن مواجهة ولو رمزية لإرهاب الدولة الأميركية سيظل مجرد تمنيات طالما عجزنا عن مواجهة إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل على مجموع العرب (وليس فقط على لبنان، ومن خلفه على سوريا، ناهيك بالشعب الفلسطيني الذي يتساقط مجاهدوه يوميا برصاص الاغتيال الإسرائيلي بينما »سلطته« منهمكة في افتتاح كازينو للقمار ومدينة ملاه وملذات في أريحا »الملعونة«)!
وإن عدم استعادة ليبيا بعودة العرب إليها من فوق قرار حظر السفر، وقد خرقه رؤساء أفارقة لدول فقيرة وضعيفة، سيظل برهاناً دامغاً على عجز عربي يفوق حدود التوقع، الاميركي كما الاسرائيلي.
لقد اثبتت المواقف في قمةعدم الانحياز، قبل ايام، ان العالم الثالث لم يسقط نهائياً في قبضة الهيمنة الاميركية، والاسرائيلية استطراداً،
ويثبت دم الشهادة في لبنان، كل يوم، كما يثبت الصمود السوري ان القاومة ليست حلماً وليست شعراً، بل قدرة تعبر عن قرار.
وهي قدرة انسانية،
ولعل »الرئاسة السورية« لهذه الدورة تستطيع ان تنجح في انتزاع قرار الحد الادنى هذا، خصوصاً وان القوى المقاتلة ضد حق هذه الامة في الحياة قد تجاوزت في تحديها لها كل حد.
وليس المطلوب هجوماً عسكرياً على واشنطن، او المشاركة في حرب بالسلاح ضد اسرائيل،
انما نطلب موقفاً يمكن ان يكون نقطة بداية لتحول ضروري قبل ان ينهار الهيكل على رؤوس من لم يستطيعوا حمايته.