تتوالى العهود، برؤسائها والحكومات، وتظل الجامعة الوطنية مستهدفة، في إدارتها وهيئتها التعليمية، وطلابها اساساً،وهم الذين بدل أن تتزايد اعدادهم نراها في تناقص مستمر، اذ يرفض اغنياء الحرب والمضاربة في البورصة ولصوص المال العام، أن يرسلوا ابناءهم اليها تدليلاً على وطنيتهم..
في الوقت ذاته توالي الحكومات المتعاقبة اصدار التصاريح للسماح بفتح جامعات خاصة جديدة، بغض النظر عن الامكانات والقدرة واهلية المتقدمين لطلب “الرخص” وكأنهم يفتحون دكانة بقالة او سوبر ماركت او افرانا لإنتاج المناقيش..
لا تدقيق، ولا اختبار اهلية، ولا دراسة لإمكانات المتقدمين لفتح الجامعات، حتى أن فتح جامعة جديدة اسهل من فتح “ملحمة” او “بسطة” لبيع الدخان..
ثم أن الرئاسات تتوالى على الجامعة بتوالي العهود، وامزجة اصحاب الامر فيها.. تارة يعينون من هو مؤهل حقاً، وتارة من هو مدعوم من اصحاب النفوذ، الذين ـ للمناسبة ـ ليسوا جميعاً من المؤمنين بالجامعة الوطنية ودورها الاستثنائي في تعليم اولاد الناس، كل الناس، وبالأخص الفقراء ومتوسطي الحال، او المؤمنين بدولتهم وبضرورة أن تحصر المهمة المقدسة “بتعليم ابناء الشعب” في الجامعة التي اقيمت من اجلهم..
لذلك تتوالى الاضرابات في الجامعة الوطنية التي أنشئ لها مبنى مميز، لكن الشفاعات والوساطات انهكت الجسم التعليمي فيها، اذ حينا تُزاد اعداد المدرسين عشوائيا، واحيانا تتم تسمية العمداء بحسب “قوة” الوساطة او الشفاعة.. اما الرئاسة فهي حكر على صاحب الاقوى والقدرة على أن يقول لهذا او ذاك: اذهب فانت مدرس الفلسفة لأنك تتفلسف دائماً.. اما انت فاذهب لتدرس الرياضيات لان اباك “كان شاطر” في الحساب.. واما انت فلسوف تدرس الادب لأنك رفيع التهذيب، وعساك ستكون سارتر اللبناني.
من المسؤول عن جيلنا الجديد الذي لا يكاد يغادر الشارع مطالباً بالحرص على مستوى الجامعة ادارة واساتذة، وبالتالي الحرص على مستقبل ابنائنا واحفادنا؟!
جامعة وطنية بلا وطن..
جامعة الدولة ولا دولة..
اما الشارع ففسيح جداً يتسع للمضربين مهما تزايدت اعدادهم.. اما مطالبهم فلهم فيها الله وهو على كل شيء قدير!