طلال سلمان

إرث ثقيل مكتوب بالدم: تيمور وليد كمال فؤاد… بشير جنبلاط

وحده وليد جنبلاط يمكنه أن يكون كثيراً ومتعدداً، فريداً ومتميزاً، زعيماً اقطاعياً كبيرا بشعارات تقدمية، مثقفاً يقرأ بنهم في الفكر السياسي كما في الفلسفة، في النظريات الاقتصادية كما في الرواية والشعر، في التاريخ – قديمه والحديث- كما في الجغرافيا السياسية.

وحده يستطيع أن يحمل حقبات كثيرة من التاريخ، بألغازها وأسرارها الخطيرة، بصفحاتها الدموية ثقيلة الوطأة، بشخصياتها المؤتلفة-المختلفة، بصراعاتها التي غالباً ما تجاوزت الحدود، بالتحالفات الدولية الملتبسة.

وحده وليد جنبلاط يجمع في شخصه الشرق من الهند حتى المغرب، مروراً بإيران والجزيرة العربية والعراق وسوريا وصولاً إلى مصر، والغرب من أثينا بفلاسفتها الاغريقيين العظام إلى روما القياصرة فإلى لندن التي تجعل ماضيها الملكي مستقبلاً، مروراً بباريس الجمهوريات التي تأكل بعضها بعضاً وتستمر عاصمة التجديد والطموح إلى التغيير.

وحده الباقي زعيماً يمتد تاريخه خلفه قروناً من الصراع الدموي، وقد ظل قادراً على تجديد أهليته للقيادة مع اختلاف الأحوال وتعاقب الأجيال… وها هو ينقل “التاج” إلى “رأس تيمور” في مهرجان تصاغرت فيه الزعامات والاحزاب حتى كادت تذوب في مهرجان تجديد الزعامة، بكل الثارات الموروثة، وبكل الصراعات القائمة، مخترقاً العصر بإرث الماضي المكتوب بأنهار من الدماء.

يخترق الجمهور المحتشد في الباحة وعلى السطوح المحيطة بقصر المختارة والمسجد الذي بناه حديثاً لكي يكتمل المشهد الفريد في بابه: الزعامة الدرزية محصنة بالكنيسة القليل جمهورها والجامع الذي لا يجتمع للصلاة فيه الا المؤمنون من الزوار.. وان قصده هو أحيانا لكي يختلي بنفسه متصوفاً.

ابن الشهيد المقتول غدراً، وحفيد الجد المقتول طلباً للفتنة، والذي نجا من موت مدبر أكثر من مرة حتى ازداد إيماناً بالقضاء والقدر فتناقص خوفه وان تزايد تحوطه للغد..

حفيد الصراع المفتوح على زعامة جبل لا يطعم أهله ولكنه يشكل حلقة مركزية في الصراع على المنطقة المثقلة بتاريخها الدموي حين كانت مركز الكون، والتي تدفع الآن الكلفة الباهظة لعجزها عن القيام بهذا الدور..

وليد جنبلاط، “ابن عامود السما”، الذي “يبكي عنه قومه ولا يدعونه يبكي”، زعيم الأقلية الموزعة -قسراً- على ثلاث دول، بينها “دولة العدو” التي حاولت نفاق الدروز بالزعم أنها “الدولة الراعية للأقليات” في هذه المنطقة التي تحتشد فوق صفحات تاريخها امبراطوريات الماضي التي اصطنعها الأقدمون من أهلها ثم ذابوا في أرضها..

وليد جنبلاط المتعدد بتعدد المراحل التي عاشتها طائفته، أو فرض عليها أن تعيشها على حافة التاريخ، ولكنها ليست خارجة، في قلب جغرافية هذه البلاد ذات الأكثرية المتقلبة تبعاً لنتائج الصراع على السلطة داخلها التي كثيراً ما استدعت “الخارج” لكي يعينها على المنافسين، فكان أن ازاح  “الخارج” الجميع وحكم المنطقة في الماضي، وتحكم في حاضرها، ومازال يتهددها في مستقبلها.

وليد جنبلاط استطاع أن يخرج من “الظل الكبير” لأبيه الشهيد العظيم كمال جنبلاط، وأن يضيف اليه صفحات مضيئة تؤكد الزعامة وترسخ وجودها، منتصرة على تقلبات الزمن وتبدل المعطيات السياسية وفق منطق الصراع بين القوى العظمى.

…وها أن المقادير تفرض على تيمور وليد كمال فؤاد جنبلاط أن يخرج من الظل مثقلاً بهذا التاريخ الدموي الذي يتبدى وكأنه قدر هذه العائلة التي عاشت دائماً في قلب الصراع.

Exit mobile version