عرفت الأستاذ طلال سلمان، صاحب ورئيس تحرير صحيفة «السفير» اللبنانية، عن قرب عندما عملت في هذه الصحيفة، ذات الإلتزام القومي واليساري في ذلك الحين، بعد تأسيسها بقليل وحتى العام 1982 ولذلك فإنني أستطيع التخمين بما يريده ويهدف إليه من أي مقال يكتبه بلغته الرشيقة وبمفرداته حمالة الأوجه دائماً وأبداً وهذا ينطبق على مقاله الأخير الذي عنْونه بـ«الوطن العربي ينتظر قيامة مصر..دولٌ بلا رؤساء ورؤساء بلا دول».
وضمن إستعراضٍ، يقطر مرارة ومفعماً بالتهكم، للوضع العربي الراهن فإن ما يجلب الإنتباه أن الأستاذ طلال سلمان قد تحدث عن سوريا بصراحة يفتقدها كثيرون في لبنان حيث قال أنَّ فيها الآن رئيساً للجمهورية يعتزم التجديد لنفسه بولاية ثالثة بينما «الدولة»، الجمهورية العربية السورية، ممزقة الأوصال: شمالها تحت النهب التركي في ظل سيطرة ميليشات جبهات الإسلام السياسي متعددة الرايات والأهداف أما في الجنوب الذي طالما شكل جبهة الصد لإحتمالات توغل العدو الإسرائيلي في الداخل السوري فأرض صراع بين جيش الدولة وميليشيات عسكرية وإسلامية أخرى تحظى بالرعاية السعودية!! في ظل إشراف أميركي مهمته تأمين إستمرار الإضطراب من دون التورط في المسؤولية المباشرة عن تقسيم الدولة.
ولعل ما هو الأهم بالنسبة لي أنَّ صاحب صحيفة «السفير» ورئيس تحريرها، التي لا أزال أحنُّ إلى أيام العمل مع زملاء أعزاء في القسم العربي والدولي والتي أعتبرها اول مدرسة صحافية تخرجت منها، قد تناول الأردن بطريقة ينطبق عليها ذلك القول: «المدح من موقع الذم» وهذا يدلُّ على أن مرارة منعه من دخول بلدنا في تسعينات القرن الماضي، وهذا كان خطأً كبيراً ارتكبته إحدى حكومات تلك الفترة، لا تزال عالقة في حلقه وعلى أطراف لسانه وأنها إنتقلت إلى الحبر الذي كتب به الفقرة التي تخص بلدنا من مقاله.
قال الأستاذ طلال سلمان: قبل أن نغادر المشرق (العربي) لابد من الإشارة إلى أن الأردن يبدو الآن وكأنه «الدولة الوحيدة» المحصنة بالتأييد الأميركي – الغربي – الإسرائيلي المطلق وبالدعم النفطي (السعودية والإمارات وقطر) من دون أن يتورط مباشرة في الحرب على سوريا وفيها.. فهو يقدم الخدمات للطرفين.. وهنا فإنني أجد أنه عليَّ أن أصارح أستاذي القديم وأن أقول له أنك تعمدت أن «تفبرك» أشياءً وأن تُغيَّب أشياءٌ أخرى فلو أنَّ الغربيين والأميركيين والإسرائيليين والعرب الذين ذكرتهم هُمْ من «يحصنون» هذا البلد، المملكة الأردنية الهاشمية، فلما إستطاع مقاومتهم ولأجبروه على إتخاذ موقف من الأزمة السورية غير هذا الموقف الذي يتخذه الآن.
ثم وإنه كان على أستاذي القديم ألاَّ ينظر إلى الأمور بطرف عين حولاء وبخاصة وأنا أجزم بأنه يعرف حقيقة أنَّ الدعم المستعار لو أنه يحصن أي بلد في العالم لكان حصن سوريا ولكان حصن لبنان والعراق وتونس وجماهيرية القذافي، التي هو أكثر من يعرفها، وأنَّ ما حصن الأردن ليس دعم هذه الدول بل هو الطبيعة التسامحية لنظامه وهو أن الربيع العربي عندما وصل إليه لم يجد إستبداداً شرقياً كالإستبداد الذي وجده في الشقيقة المجاورة ولا حزباً واحداً ولا قائداً أوحد ولا أن الوظيفة السياسية لمن يقودهم ويحكمهم هي طأطأة الرؤوس.. كما أنه لم يجد بلداً مدمراً فيه أكثر من عشرين جهاز مخابرات وفيه سجوناً لا حصر لها وزنازين أنهى قادة حزب البعث المؤسسون أعمارهم فيها.
عندما وصل الربيع العربي إلى الأردن وجد أنه ليس غريباً فهناك إصلاحات لا تعتبر سدرة المنتهى ولكن يمكن إعتبارها خطوات مشجعة على طريق واعد طويل وهناك أكثر من ثلاثين حزباً كلها تعارض وتنتقدُ و«تشتم» وترفع شعارات ترتطم بسقف السماء.. وبالطبع فإنه لم يجد زنازين غير معروف ما الذي يجري خلف أبوابها المغلقة ولم يجد سجوناً فاغرة الأفواه تنادي بـ: «هل من مزيد» ولم يجد أطفالاً ينتظرون أباءً خرجوا ولم يعودوا ولا زوجات جرَّحت الدموع الساخنة مآقيهن لأنَّ أزواجهن أختطفهم زوار الفجر ولم يعد أحد يعرف أين هم وما إذا أصبحوا أمواتاً في قبور دارسة أم أحياءً ولكن بأرواحٍ ذابلة وأجسام مجرد جلودٍ وعظام.
إنَّ من حصَّن هذا البلد، المملكة الأردنية الهاشمية، يا أستاذي العزيز القديم، وأنت تعرف هذا كل المعرفة، ليس الأمن المستعار ولا الدول التي ذكرتها، والتي كلها وبدون إستثناء وبخاصة العربية منها قد قدمت لسوريا في عهد الوالد والولد ما لم تقدم عشر عشره للأردن، وإنما الشعب الموحد، غير المنهك لا بالممارسات الجائرة ولا بالقمع البدائي ولا بالإستبداد الشرقي كما في العصور الوسطى، والقيادة الواعية الواثقة بنفسها وبشعبها والمتواجدة دائماً وأبداً بين أبناء هذا الشعب على إختلاف أصولهم ومنابتهم… إنك تعرف يا أستاذي العزيز إنَّ حتى الذين قاموا بمحاولات إنقلابية بدفع خارجي قد عادوا ليصبحوا في مقدمة رجال الدولة والحكم وهذا غير موجودٍ إلاَّ في الأردن وهذه هي عَظَمة الأردن وعَظَمة القيادة الأردنية منذ عبد الله الأول وحتى عبد الله الثاني.. وإلى أبد الآبدين بإذن الله ومشيئته.
صالح القلاب، وكالة عمون الاخبارية