ليس بريئù هذا التضخيم الأميركي ل»حزب ا”« واتخاذه هدفù لحرب معلنة ومفتوحة بذريعة أن مقاتليه »يعتدون« على جنود الاحتلال الاسرائيلي في جبل عامل وبعض البقاع الغربي.
انه تطور نوعي في الخطاب السياسي للإدارة الاميركية، يتجاوز تحريض اسرائيل على »الرد«، والتعهد بحماية هذا الرد المحتمل وتبريره دوليù، مع الايحاء بعدم الممانعة في ان يتسع ليشمل »سكان لبنان« فضلاً عن دولته المغيبة في التهديد الاميركي.
حتى الأمس القريب، كان »حزب ا”« حزبù سياسيù قويù بتحالفاته او بعلاقاته العضوية التي توفر له الرعاية والحماية والتدريب، والتي تتعهدها دولتان نافذتان ومؤثرتان في المنطقة هما سوريا وإيران، وفقù للتوصيف الاميركي الاسرائيلي المشترك.
وبهذا التوصيف، ووفقù لمدلولاته، ارتضت الادارة الاميركية، بالنيابة عن اسرائيل، ان »تفاوض« هذا التنظيم المسلح الذي اتخذ مقاومة الاحتلال نهجù ومدخلاً شرعيù الى قلب اللعبة السياسية في لبنان بكل حساسياته، ولو ظلت دمشق هي »الوسيط« لعقد الاتفاق ورعاية الطور الجديد »للعلاقة الدموية« مع اسرائيل كما في تموز 1993.
اي ان واشنطن لم ترفض التسليم الاسرائيلي أو الإقرار الاسرائيلي بأن »حزب ا”« طرف في المعادلة، من موقع الحليف السياسي المسلح لسوريا (وإيران) وليس من موقع الأداة السورية او الإيرانية، يوجدها قرار ويلغيها قرار مضاد.
بعد سبعة وعشرين شهرù من »اتفاق الكاتيوشا«، ها هي واشنطن ترفع »حزب ا”« الى مستوى الخصم المباشر للقطب الكوني الأوحد، وتعلن عليه الحرب من قلب مركز القرار فيها، تاركة لإسرائيل ان تختار الظروف الملائمة للتنفيذ: التوقيت، الميدان والاسلحة اللازمة لإنجاز هذه المهمة الاستثنائية.
لقد يئست واشنطن من ان ينبذ »سكان لبنان« هذا الحزب برغم إلحاحها اليومي على دمغه ب»الارهاب«، فسلَّمت بل انها طلبت ان تشملهم عملية التأديب العتيدة التي يفترض ان يقوم بها جيش الاحتلال الاسرائيلي بذريعة الانتقام لجنوده، من اولئك الذين يتجرأون على مهاجمته وهو يتجول في مناطق احتلاله من الارض اللبنانية.
كذلك يئست واشنطن، في ما يبدو، من ان تستجيب الدولة في لبنان لتحريضها الدائم بضرورة تصفية »هذا التنظيم الذي يعتمد سياسة العنف«، فتجاوزتها تمامù لتركز حملتها على سوريا وإيران.
وفي ما يتعدى المحليات، فالواضح ان اعلان الحرب الاميركية يستهدف، اساساً، سوريا.. وهذا تطور لافت في سياق العلاقات المستحدثة بين دمشق وواشنطن، والتي ما تزال تفتقد نصابها الفعلي ان على صعيد المصالح الثنائية المباشرة او على صعيد التفاهم المتبادل على القواعد السياسية لتحديد الأدوار والأحجام والنفوذ في المنطقة حاضراً ومستقبلاً.
فالحماسة الاميركية للحرب ضد »حزب الله«، بوصفه »رأس حربة« للسياسة السورية في مواجهة الشروط الاسرائيلية المهينة ل»السلام«، تفوق الحماسة الاسرائيلية، ما يؤكد ان لواشنطن اهدافاً تتجاوز بآفاقها الحزن الاسرائيلي على جنود الاحتلال المقتولين فوق التراب الوطني اللبناني.
لا التمديد ينفع في التبرير، ولا تعثر المفاوضات في واشنطن.
وهذا ما يعيد الى دائرة النقاش، اقله بالتوقيت الانتخابي لهذا الاستنفار الاميركي اللافت، الوظيفة الاميركية لتهمة »الارهاب« التي تستخدمها واشنطن سيفاً مسلطاً على رقاب المعترضين على سياساتها، فكيف بمن يعطلها او يربكها ويهدد بإفقادها الصوت اليهودي المرجح والضروري لتأمين ولاية جديدة للرئيس الحالي؟
في اللحظة الراهنة، يبدو المفهوم الاميركي للإرهاب اكثر تعنتاً وشمولاً من المفهوم الاسرائيلي، والعقوبات المقررة أشد.
على ان هذا لم ولن يمنع واشنطن من استخدام بعض المدموغين بتهمة الإرهاب لتحقيق مصالحها حيث تدعو الحاجة، وبالتالي فثمة بين الحركات المسماة »اصولية« من يحظى بالتأييد والدعم والحماية الأميركية.
هدف »الإرهاب« هو الذي يحدد جدارته بالتهمة،
فالإرهاب في الجزائر، مثلاً، استثمار اميركي جيد، حتى إشعار آخر،
وقدر من الإرهاب المقلق في مصر والمتسبب في إرباك النظام وإضعافه وإلجائه الى »الحماية« الاميركية، وإخضاعه للشروط الاسرائيلية المذلة، وأبرزها التطبيع بالأمر، هو توظيف سياسي ممتاز لخدمة اغراض السياسة الاميركية في المنطقة.
أما إيران فهي »الإرهاب« المطلق، بقدر ما تلتزم الثورة الاسلامية فيها بأهدافها المعلنة في الداخل كما في »المدى الحيوي« لهذه الدولة الكبرى والمؤثرة في الشرق كله وعلى امتداد العالم الاسلامي.
وأما سوريا، فإن تهمة »الارهاب« تعلّق أحياناً وتعاد الى التداول، في احيان اخرى وبما يخدم سياسة حكومة رابين واستهدافاتها التي تكاد الآن تُختزل بشعار: التفاوض من اجل استثمار التفاوض ذاته في الانتخابات وليس من اجل اي نوع من السلام، ولو بمفهوم الحد الأدنى الذي أقره مؤتمر مدريد.
وإسحق رابين كان واضحù، امس، حين اعلن صراحة انه غير متعجل للوصول الى »سلام« مع سوريا ولبنان، وانه لن يذهب اليه تحت ضغط السلاح،
اذاً، فهي الحرب الاميركية ولكن بالتوقيت الاسرائيلي،
وفي السوابق، فإن الأميركيين ليسوا اعظم كفاءة من الاسرائيليين في الحروب ضد »الناس« في هذه الأرض، بل العكس هو الصحيح،
ومبروك ل»حزب الله« هذه التزكية السياسية الجديدة، وان كان منطقيù ان نستعد جميعù لدفع ثمنها مزيدù من الدم والخراب والعذاب، انطلاقù من جبل عامل وصولاً الى سائر انحاء لبنان، وربما الى ما يتجاوز الحدود الدولية للإرهاب، وفقù للتحديد الأميركي.