طلال سلمان

حوار لبناني تجربة فرنسية

بداية: إنه لأمر طيب أن تتلاقى القيادات السياسية، ولو على مستوى الصف الثاني من أجل الحوار حول المسائل المختلف عليها والتي تكاد تشمل أسباب حياة اللبنانيين بدولتهم ونظامها وكيفية تقاسم مواقعه طائفياً ومذهبياً حتى لا تكون فتنة أو حرب أهلية.
ثانياً: إنه لأمر طيب أن يعقد مؤتمر الحوار الثانوي في باريس، وفي هذا التوقيت بالذات..
ففرنسا اليوم خارجة من معركة رئاسية طاحنة، ومن انتخابات نيابية شرسة تبارزت فيها مختلف القوى السياسية، بيسارها المشرذم حتى الطلاق في بيت المرشحة للرئاسة، ويمينها المتدرّج تطرفاً حتى العنصرية الفظة.
فرنسا هذه يمكن أن تمد المتحاورين الآتين من لبنان بكثير من الدروس التي يحتاجونها، حقيقة، هذه الأيام، بغض النظر عن مكابرتهم وادعاءاتهم الكمال المطلق.
ثالثاً: لن يجد الذاهبون إلى الحوار في البعيد، (طلباً لصفاء الذهن!!) بعدما عجزوا عن التلاقي في الداخل، أثراً للحرب التي كانت نارها مستعرة إلى ما قبل أسابيع قليلة، بين المتنافسين على الرئاسة الأولى ثم على أكثرية المجلس النيابي إلا… في المراجعات الفكرية والسياسية للتجربة، ومحاولة كل طرف استخلاص الدروس لتصحيح ما تبيّن له أنه كان خطأ في الممارسة أو في مقاربة تطلعات الناخبين، وللتوكيد على ما لقي تجاوباً وتأييداً أثبت نفسه كواقع سياسي عبر صندوقة الاقتراع.
ولعل المتحاورين الآتين من لبنان سيستفيدون من تجربة مضيفيهم الفرنسيين، وسيعودون لإبلاغ قياداتهم باكتشافاتهم المذهلة وأخطرها وأبسطها، في الوقت عينه، أن الخلافات السياسية مشروعة وطبيعية بل حتمية في أي مجتمع، لكن تسويتها تعتمد حلولاً من الطبيعة السياسية ذاتها.
ذلك أن أهل اليمين هم فرنسيون.
وأن أهل اليسار هم فرنسيون.
وأن الرئاسة تستحق أن يتنافس بل أن يتصارع على الوصول إلى سدتها أهل اليمين وأهل اليسار وأهل الوسط… وكذلك المجلس النيابي.
لكن الدولة أهم من الرئاسة والحكم كله، حتى في وطن نهائي ثابت الهوية والنظام كفرنسا، فكيف بلبنان حيث الدولة شرط وجوده كوطن؟
.. وأن حكماً يذهب بالدولة لا يمكن أن يستحق صفة الوطنية، فضلاً عن أن كلفته ستكون باهظة جداً، في بلد دقيق التوازنات كلبنان: الحرب الأهلية.
ومع أن مثل هذه البديهيات كان يمكن الوصول إليها أو التحقق منها عبر التجارب الغنية للبنانيين عبر العهود التي حكمت فعمّرت أو دمّرت، إلا أن توكيدها في هذه اللحظة بالذات، وفي فرنسا بالذات، أمر طيب..
ورحلة باريس أقل كلفة بما لا يقاس من نصائح السفير الأميركي جيفري فيلتمان التي هوّنت على اللبنانيين حروبهم الأهلية مقارنة بالحرب الأهلية الأميركية التي اتخذها قاعدة لتأكيد التشابه بين الدولتين الجبّارتين!

Exit mobile version