تلقى رئيس تحرير “السفير” رداً من الشيخ ماهر حمود، على ما كان كتبه في افتتاحية “السفير” يوم الخميس 27/1/1994 بعنوان “حكم ببراءة مصر والإسلام والاجتهاد”، تعقيباً على رد الدعوى التي أقامها بعض المتعصبين للتفريق بين الدكتور نصر حامد وابو زيد وبين زوجته، بتهمة أنه “مرتد”.
هنا رد الشيخ ماهر حمود ورود من رئيس التحرير على بعض ما جاء فيه:
مع الشكر والتقدير للشيخ ماهر على عاطفته وإطرائه، فإنني أحييه على شجاعته في ممارسة النقد الذاتي، ولو بالنيابة عن كثير من حملة الشعارات الإسلامية الذين يتصرفون ليس فقط كمعوصومين بل أيضاً كديانين.
وردي يلتخص في نقاط محددة أبرزها الآتية:
1 – القضاء المصري بخير، أجل بخير، وأعني القضاء الطبيعي. أما المحاكم العسكرية التي حولوها إلى جلادين فليست قضاء ولا عدالة بطبيعة الحال. ولقد أثبت القضاء المصري، الطبيعي، وفي أكثر من مناسبة أنه حريص على استقلاله، وإنه مستعد لمواجهة السلطة الجائرة، أو أقله لم يتورط في التستر على جورها وتبريره وتشريعه.
2 – لا تجتزأ الحرية ولا تكون فئوية، والمطالبة بالحرية لمفكر كنصر حامد أبو زيد هي في الوقت ذاته مطالبة بالحرية لمن ماثلة كما لمن عارضه أو يعارضه، ولقد وقفنا في “السفير” مع كل ضحايا القمع والتعسف والاضطهاد، وكتبت مقالات لا تقع تحت حصر دفاعاً عن حق من يصنفون “إسلاميين” في التعبير عن رأيهم، وممارسة وجودهم في كل مكان. وتكفي الإشارة هنا إلى ما كتبناه عن حقهم المطلق في الاعتراف بما حققوه من فوز في الانتخابات الجزائرية التي أجهضت بانقلاب عسكري.
3 – يتصل بذلك أن يعطي “الآخرون” الحق حتى في الخطأ، كما يعطي الشيخ ماهر “الإسلاميين”.. فكيف إذا كان اجتهادهم الفكري موضع قبول أو مناقشة أو يجب أن يكون. فلعلنان الآن ونحن في وهدة الهزيمة أشد ما نكون احتياجاً إلى مراجعة الكثير مما تواضعنا على اعتباره مسلمات. إن الجمود أو التحجر يقتل اليقين، يا شيخ ماهر، والإنسان بقعله، أو “بالنجدين” وهما من نعم الله عليه. والنص في خدمة الإنسان، وليس العكس.
4 – إنها شجاعة منك يا شيخ ماهر الاعتراف بما هم عليهم بعض من يدعون بـ “الإسلاميين”، وحبذا لو سلكوا مثلك وكانت لديهم شجاعة الإقرار بالخطأ، إذ لأمكن قيام تلك الجبهة العتيدة التي تبدو ضرورية جداً لمواجهة الظروف الصعبة والأخطار المتفاقمة والخطايا المميتة التي تتورط فيها الأنظمة العربية.
ومرفوض أن يسعى بعض هؤلاء المتعصبين برصاصهم إلى سائح إسباني أو فرنسي، جاء لزيارة القاهرة، أو إلى كاتب مصري له وججهة نظر مغايرة، ولا يقومون بالجهد المطلوب لتحصين مصر في وجه إسرائيل والإسرائيليين، السفارة وكبار المسؤولين و”السياح”، وسائر وجوه التطبيع القسري.
ويا ليتك كنت مكانهم يا شيخ ماهر، أو ليتهم كانوا مثلك، إذن لما كان ثمة اختلاف.
5 – بغيررغبة في الدخول في نقاش فقهي يمكن التوكيد فقط على أن الإسلام دين يرتكز إلى القعل والمنطق إضافة إلى الإيمان، وإنه قد حرض على طلب العلم، وكاد يقدس العلم، وصنف العلماء في مرتبة المجاهدين.
لقد كرم الله سبحانه وتعالى “القلمط فأقسم به.
فليشرع هذا القلم، يا شيخ ماهر، ولتفتح القلوب والصدور قبل الأبواب للأفكار والآراء والاجتهادات وسبل العلم، فلن تنفعنا الجاهلية وظلامها وظلمها في القرن الحادث والعشرين، ولا يجوز أن نلجأ، نحن المظلومين، إلى عدة الظالم، فنقمع بعضنا البعض، ونحجز على حرية بعضنا البعض، ويمارس واحدنا إرهابه الفكري أو الجسدي ضد الآخر. إننا ضحايا، فلماذا هذا الاقتتال العبثي بين المقتولين بالقمع المادي أو المعنوي؟!
وسلمان رشدي بدعة، وهو لا يدخل في خانة الاجتهاد، ولولا الضجة المفتعلة حول كتاباته الرديئة لما سمع به أحد، ولظل “خارجاً” على قومه وأهله ودينه وغير ذي فائدة لأحد بما في ذلك خصوم الإسلام والمسلمين.
6 – أخيراً فإننا جميعاً بانتظار الصحوة الإسلامية، لكن الصحوة لا تجيء من حيث يعشش التخلف والجهل ويقوم حكم الجاهلين. والصحوة تبدأ فكرية، وتبدأ بالكلمة النيرة والفكرة البكر والقدوة الحسنة والمعرفة بشؤون الدنيا وبأسباب التقدم الإنساني.
ليست الصحوة جلابية وهابية ولحية مطلقة مع سبحة و”زبيبة” على الجبين.
بين شروط الصحوة والأخذ بأسباب العلم وفتح باب الاجتهاد على مصراعيه والاستفادة مما سبق إليه الآخرون حتى لا نظل خارج الزمن وخارج التاريخ.
7 – صحيح إننا نستقي الكثير من المعلومات عن “الإسلاميين” من مصادر معادية، لكن الصحيح أيضاً أن ليس كل ما يصدر عنهم (أو عن بعض حركاتهم) مما يمكن قبوله، كذلك فليست كل جماعاتهم مسلم لها بصحة المنطلق أو بصحة الاستهداف، فالعبث يمتد إلى الحركات نفسها وليس فقط إلى ما يصدر أو يروج عنها.
وأخيراً فإننا نتمنى معك يا شيخ ماهر أن تسود لغة الحوار، وأن تسود أولاً في ما بين “الإسلاميين” أنفسهم، حتى لا نقول المسلمين.
وعساها تكون خطوة في الاتجاه السليم.