زيارة إلى إنجاز عربي اسمه محمد السويدي..
جلسنا متهيبين نستعد للقاء الرجل العظيم.
أدار الرجل الوسيم جهاز الكومبيوتر، وأخذ يحرك »الفأر الأبيض«، مستدعياً البرنامج الذي يطلب.
ارتسمت المربعات والإشارات الدالة على الشاشة الصغيرة، ومشى صديقنا بالسهم الى مبتغاه فإذا الشاشة تنبسط للقصيدة، وقد ميزت بعض أبياتها بالألوان، كما ميزت بعض الكلمات، واحتل الهامش التفسيري مكانه في الأسفل.
انبثق الصوت قويا، ممتلئا بالمعنى، تحفّ به موسيقى اختيرت على عجل، في انتظار الاستكمال.
وانضم أبو الطيب المتنبي الى مجلسنا، بل انه منحنا شرف أن نكون في صحبته، نسمع شعره منه فننتشي ونستعيد شيئا من اعتبار الذات، بعدما ضيّعت السياسة الذات والاعتبار.
قال محمد السويدي بهدوء من قرر فأنجز:
إننا في البدايات. لكننا باشرنا الانتاج، وخطتنا مرسومة ومحددة، ونحن نمشي بثقة بعدما استكملنا إعداد البرامج اللازمة وتخطينا صعوبات لا حصر لها، تقنية بداية، وبشرية أساسا، ثم في التفاصيل المنهكة، وما أكثرها.
كان الرجل الوسيم، بملابسه العربية الأنيقة، وعقاله الأسود يلتف من حول كوفيته البيضاء، فيظهره وكأنه وصل لتوه من مجلس المتنبي، خصوصا انه كان يتحدث عنه وكأنما يتحدث إليه في حضرته: قد أُتهم بالتعصب، ولكنني من عشاق شعر المتنبي، تربيت عليه صغيرا، وازددت حباً وتقديراً له بعدما كبرت وصرت أقدر على فهمه، خصوصا وقد رافقته في مختلف مراحل حياته، وفي مختلف المواقع والمنازل التي أمَّها.
كنا في زيارة سريعة لأهم إنجاز ثقافي في أبو ظبي: المجمع الثقافي، الذي بدأ فكرة طموحة وانتهى مشروعاً قلّ نظيره في الوطن العربي الكبير، برغم الحاجة الملحة إليه.
كان الدكتور الكاتب الناثر الشاعر المغني الظريف راقص العرضه والمقرئ في مجالس العزاء، نجم عبد الكريم، يقوم بدور الشارح لخالد عبد العزيز التويجري، وهو ابن بيت العشق المطلق للمتنبي، فوالده الشيخ يواكب الشاعر العربي العظيم قارئاً وكاتباً ومساهراً.
راح محمد السويدي يعرض بعض وجوه إنجازه الممتاز، المجمع الثقافي في أبو ظبي، والذي أعطاه بعض عمره وكل جهده (والكثير من ماله)، حتى جعله منارة حضارية تستقطب الكتاب والأدباء والمبدعين رسماً ونحتاً والشعراء والمفكرين والعلماء والمجتهدين في تطوير البرامج العربية للكومبيوتر.
قال: ان بين خطط المجمع الجاري تنفيذها تجميع ديوان الشعر العربي كله على رقائق الكترونية (C.D. Rom)، فتسمعه وأنت تقرأه على الشاشة.
فإذا أردت يمكنك أن تعرف كل ما يتصل بالقصيدة، مناسبتها وأين وفي من قيلت، ثم تعرف من أي بحر من عروض الخليل بن أحمد هي، ومعاني الكلمات فيها، وصرفها ونحوها بالإحالة الى شروح »لسان العرب«،
وقال محمد السويدي: ان ديوان الشعر العربي سيتسع لثلاثة ملايين بيت من الشعر، وان المرحلة الأولى من العمل الجاري تنفيذها الآن تكتمل بالمليون الأول، ثم يستمر العمل لعامين آخرين فيتم جمع الشعر العربي منذ الجاهلية الأولى وحتى الثلاثينيات من هذا القرن.
كل ما قاله شعراء الجاهلية، مأخوذا من أدق المصادر وأكثرها صدقية، غربية كانت أم عربية، ثم ما قاله شعراء فجر الإسلام وصدر الإسلام، وصولاً الى عصرنا هذا..
ولقد قررنا التوقف عند الثلاثينيات حتى لا ندخل في إشكالات قانونية حول حقوق النشر وما إليها.
إننا نريد أن نحفظ تراثنا، ليس إلا.. أما المعاصرون فوسائل النشر متاحة أمامهم، وهم قيمون على أعمالهم وحقوقهم.
وقال محمد السويدي:
ان في خطتنا وضع أمهات كتب التراث العربي على رقائق الكترونية، وقد فرغنا فعلياً من تسجيل »لسان العرب« و»الأغاني« للأصفهاني.
أما بالنسبة لكتاب »ياقوت الحموي« »فقد أعدنا تحريره ورسمنا خرائطه مصححة في ضوء الوقائع السياسية الراهنة، خصوصاً أن بعض البلدان أو المدن أو المعالم قد زالت أو بُدلت تبديلاً جذرياً.
وقام محمد السويدي وقمنا معه في جولة سريعة على بعض معالم المجمع، ولا سيما على »الاستديو الصغير« حيث تجري عملية المكيساج، فتضاف الموسيقى إلى الشعر.
قال محمد السويدي وعيناه تلمعان بفرحة الإنجاز:
بين مشروعاتنا الآن أيضا ترجمة نتاج شكسبير كله. وقد عهدنا بالترجمة إلى الشاعر العربي (السوري) ممدوح عدوان..
وكان بين أمانينا أن نسجل ديوان المتنبي بصوت الشاعر الكبير أدونيس، لكن مشاغله لا تتيح له الوقت الكافي. على هذا فقد عهدنا بهذه المهمة إلى صاحب واحد من أجمل الأصوات الاذاعية العربية وأرصنها، الممثل المعروف عبد المجيد مجذوب.
عند باب المكتبة التي تضم أجنحتها إضافة إلى أمهات كتب التراث، أحدث ما صدر عن دور النشر، قال محمد السويدي من خلال ابتسامة حيية:
لقد وجدنا أنفسنا نصير، مع الأيام، إحدى أكبر دور النشر العربية، وفي معرض الكتاب المقبل في شهر شباط 1999 سيكون جناحنا الأكبر بين الأجنحة، فلقد أصدرنا حتى اليوم 170 عنواناً جديداً.
كان وقتنا المحاصَر بضرورة متابعة القمة الخليجية أضيق من أن يتسع للتعرف الى »كل« المجمع الثقافي، ولذا اكتفينا بلمحة عن أقسامه المتعددة، و»بحمل جمل« من كتبه الممتازة والمتنوعة، بحيث تشمل مختلف مجالات الإبداع الأدبي والغني.
أهم من الانجاز صاحبه: محمد بن أحمد بن خليفة السويدي، وهذه الكلمات التحية أقل مما يستحق.
زينات »دينية« لتوحيد غير المتدينين!
قدرياً، يتزامن شهر رمضان المبارك وأعياد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية بكل تقاليدها الغربية والتي صارت »عالمية«.
ولأن اللبنانيين بمجملهم غير متدينين، فإنهم يلجأون إلى المبالغة في مظاهر التدين، ثم يدارون اتهامهم بالتعصب وبالكثير من منافقة بعضهم بعضا في التوكيد على أن الدين في جوهره واحد مهما تعددت مظاهره، وأنهم يلتقون في »الله الواحد«.
على أن شوارع بيروت، ومدنا وبلدات أخرى، تنقض هذا الادعاء، وتظهر عمق »الانقسام الحضاري« بين القائلين بالدين لله والوطن للجميع!
فأشجار السرو، على سبيل المثال، »مسيحية«،
وأشجار النخيل »إسلامية«،.
»النجمة« ذات الذيل المنور، كالمذنّب، »مسيحية«،
و»الهلال« الذي يبدأ كالعرجون وينتهي بدراً، »إسلامي«.
و»الجرس« مسيحي، أما الفوانيس والمنمنمات »فإسلامية« قطعا.
أما »بابا نويل« الساحر فقد تخطى حواجز التقاليد والطقوس الدينية، وبات التجسيد الملون الظريف للوحدة الوطنية، يلتقي تحت لحيته البيضاء أو جبته الحمراء وعند المدخنة التي يحب أن يتسلل منها والتي »تبتدع« في البيوت التي لا نار فيها ولا مواقد، الأطفال جميعا ليحظوا بالهدايا التي جاءهم بها، متجاوزاً بكرمه حاتم الطائي، والآباء والأمهات جميعاً.
ولقد اضطر المتشددون أو المتزمتون من المسلمين، الى التساهل مع هذا الرمز »المسيحي«، الوافد قطعاً من بلاد الجليد والثلج المتراكم، والذي لا علاقة له بفلسطين بقدسها وناصرتها وبيت لحمها وسائر القرى والبلدات والسهول والجبال والبطاح التي تجوّل فيها »عيسى المسيح«، ولم يتعرّف أبداً إلى نهر الأردن الذي بمائه المقدّس تمت عمادة »روح الله« الذي جاء ليكمل الناموس.
لا بد من التساهل مع الأطفال إلى حد التورط في قبول »العولمة« واستيراد أنبياء غير الذين أنجبتهم أرض الأنبياء هذه.
فالعيد في آخر الأمر، تجارة، وزبائنه الممتازون هم أوسع جمهور في العالم: الأطفال.
وما زلنا حتى هذه الساعة لا نعترف بأطفالنا ولا نمنحهم الأعياد، بل »نشتري« لهم ما يفرحهم ممن يصنعون لعب الأطفال لترويج أسلحتهم وثقافتهم المضادة لكل ما نتمنى أن يكون عليه أطفالنا.
اعزفْ حزنك على الطريق..
الطريق طويل، لا بد من فسحة لتنهيدة.
مَن يسقي الوردة الذابلة ويحمل عنها بعض شوكها الوديع؟
مَن يمسح الحزن بشفاه تعرف كيف تكوي فتشفي؟
أيها الطائر الذي نسي تغريده أين ترمي نايك القديم؟
هذا فضاؤك فلماذا تتركه نهباً للفراغ الأصفر؟
هيا امتلئ،
يكفيك مثلما تحمل النحلة من رحيق!
لا تقترب فينهمر الثلج،
لا تبتعد فيشب الحريق،
قف على قمة الماء، على لسان اللهب،
احبس نشوتك حتى لا تحمل الريح الفراشات إلى أبعد من مدى العين،
تحمل الفراشات العين إلى فوهة للجرح.
كيف تسكن في قلب الجرح مبتسماً!
للجرح قلب،
للفراشة قلب، للنحلة قلب، للوردة قلب،
أما أنت فيتردد في صدرك المفتوح للريح صدى الزمن القديم.
لا تكون ذاتك إلا إذا أنكرتها،
لا تكون معك إلا إذا تنكرت فصرت غيرك.
أطول المسافات بين صورتين،
أطول المسافات بين نبضين،
أطول المسافات بين الوردة والشوك، بين الطائر وتغريده، بين الناي والنغم،
انزفْ حزنك. اعزفْ حزنك. ثم أكملْ بطولك الطريق.
من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُُعرف له مهنة إلا الحب:
الحب ليس السحر، وإن كان فعله أعظم، وليس خرافة، وإن كان بهاؤه يتجاوز حدود المعقول.
ومن يطالب الحب بأن يتولى عنه مشكلاته لا يعرف الحب. انه يجعلك إنساناً، ويمنحك القوة، ويعزز فيك إرادتك، يُسقط قسوتك وتجهمك ويأسك… ثم يكون عليك أن تثبت جدارتك به وإلا تركك تعبث بنفسك لا به. لا تستطيع أن تكذب على الحب، ولا أن تتسلى به. يكون حياتك أو يهجرك إلى من يطلبه ليكون.