كتابات على سراويل »رئيس« أفقد السلاطين حصاناتهم!
أغلق بيل كلينتون سحاب بنطاله على النظام العالمي الجديد، والجهود منصبة الآن على محاولة إقناعه بفتح السحاب للإفراج عن »القيم الأميركية« المحتجزة داخله، وفي طليعتها »حقوق الإنسان«!
وبغض النظر عن نتائج هذا الصراع المرير داخل بنطال كلينتون بين مؤسسات الديموقراطية الاميركية، وهل تنتهي بخروجه عاريا من كل مزايا الرئاسة او بدخولها بنطاله لتستر عوراتها فيه، فمن المؤكد ان كل سلاطين العرب ومعهم الكثير من رعاياهم مستعدون لحماية هذا السيد المهيب بجلدات وجوههم!
فسلاطين العرب اكثر حماسة لاستمرار هذا الفتى الاميركي »الشَبِق« والوسيم، من شعبه الذي يمحضه المزيد من الثقة كلما تكشفت بعض فضائحه القديمة.
العرب مع الفحولة، حيثما وجدت، فكيف إذا ما تجسدت في »قائدهم« الكوني المهيب والمحبوب من أكثر من مئة مليون اميركية (وأميركي)؟!
السلاطين، إذاً، مع استمرار الرئيس رئيسا؛ فمن اعترف بذنبه لا ذنب له! والرعايا العرب يحفظون لبيل كلينتون انه قد كسر بل حطّم حصانة السلطان وترك الاعلام ينثرها بقعا منوية على وجوه اتباعه والمسلّمين بجدارته للقيادة، وليس فقط على اثواب محظياته!
ها هو ملك الملوك معروضا في سوق النخاسة: يتفحص النخاسون جسده قطعة قطعة، يحصون فيه »النمش« و»حب الشباب« والعلامات الفارقة، من قُبل ومن دبر، يقيسون الطول والعرض والارتفاع، يستوثقون من طبيعة رد الفعل كسرعة الاستجابة او التباطؤ في تلبية الرغبة، ومدى التحكم الارادي في الغريزة… كيف من لا يتحكم بأعضائه يعطى حق التحكيم بمصير العالم عشية الولوج في القرن الحادي والعشرين؟!
»سلطان الكون« هو الآن بلا حرمة، كأي رعية مهانة تمضغ إذلالها اليومي، وليس من يشفق عليه (وحتى اشعار آخر) إلا زوجه وابنته (والأسباب مفهومة، فبعض العار والمهانة والفضيحة أفضل منها مجتمعة).
دخلت الكاميرات الى خلايا جسده ومسامه جميعا. تجولت داخل سريره وفراشه وفرج امرأته وسراويله وربطات عنقه التي جاءته من عشيقاته فارتداها ليؤكد اخلاصه في ارتباطه بهن برغم المحاكمة والمحلفين وخطر الخلع!
»الرئيس« مجرد موظف، بل انه رق عند من استرقّه فاشتراه في سوق المزاد ويستطيع ان يبيعه في سوق العبيد.
في لحظة السقوط لا بد من استعادة وقائع لحظة الفوز: اذا كان التسويق يصطنع من »لا احد« رئيسا لاعظم بلد في العالم، فإن التسويق المضاد يمكن ان يسمخ رئيس اعظم بلد في العالم فيجعله هزأة، او فضيحة مدوية في القرية الكونية الصغيرة يتسلى بمضغ مباذله بضعة مليارات من البشر، معظمهم محروم من المتعة، وكلهم محروم من السلطة.
تتهاوى خرافة الديموقراطية في مجتمع يحكمه رأس المال والاحتكارات والكتل الاقتصادية الضخمة التي غادرت »وطنيتها« و»ووطنها« منذ زمن ولم تعد ولن تعود، ولن تبقي للآخرين أوطانا.
تتناثر أصوات ملايين الناخبين هباء، ويستعيد أقطاب اللعبة الذين يتخفون وراء الاصوات دورهم الحاسم في صنع الرئيس كما في خلعه.
تذهب الهالة، وينكشف »البيت الابىض« مجرد مأوى لهذا »الموظف« الذي اختاره اصحاب القرار، قد يستبيح حرمته لممارسة بعض فواحشه، لكنها ليست الأساس في المحاسبة، ولا هم يتوقفون امام الحرمات، بل يندفعون يعملون فيه وفي اسرته وفي البيت الابيض وفي مجتمعهم سيوف مصالحهم غير المحدودة، التي لا تقبل لارباحها سقفا.
هو مجرد »موظف« عند مصالحهم، له لقب »الرئيس«، أما الرئاسة بما هي قرار، فلهم، وليست إلا لهم.
هو مجرد »أجير«، ربما شفعت له في اختياره ابتسامته او وسامته او التماعة اسنانه او تسريحة شعر زوجته؛ مرة يكون الشباب سببا، ومرة تكون الشيخوخة هي الموضة وهي المطلوبة ولو في ممثل فاشل لدور راعي البقر والقاتل بالأجر!
* * *
لا حصانة لرئيس، ولو جعلته القوة في منصب امبراطور الكون.
هذا امر مفيد للرعايا العرب، إن لم يكن للتمثل به فمن باب التأمل!
يذهب الخطأ بالحصانة… فكيف اذا كان المسلك حصيلة جمع الاخطاء والخطايا!
تعج ذاكرة المواطن العربي بأسماء السلاطين العرب الخاطئين والمخطئين، السابقين منهم والحاليين واللاحقين.
ولكن مع تعذر المحاسبة المباشرة فإن بعضهم يستقر في الوجدان في مرتبة الشهداء!
يخلع سلطان سلطانا فيقتله او يسجنه مدى الحياة ولا تهمة محددة، ولا محاكمة تسبقها تحقيقات وبيانات وتواكبها شهادات مباشرة تؤكد تورطه في الخطأ وتبرر حسابه ومن ثم عقابه!
ينحصر الأمر كله بين »السلاطين«! انه سر ملكي فمن يذيعه!
السلطان المخلوع شيطان رجيم لم يترك رذيلة الا ارتكبها،
والسلطان الجديد إمام معصوم لا يأتيه الباطل من خلفه او من قدامه!
وبين الشر المطلق والخير المطلق تتوه الرعية بلا يقين، خارج دائرة الفعل، وتبقى سجينة الجهل بمصيرها وبهوية حاكمها، واحيانا بمصيره وهل هو حي فيُرجى ام ميت فيُنعى ويرثى!
السلطان فوق الحساب،
أما رعيته فتحاسب على الظن وليس فقط على اساءة تفسير كلمة او مسلك او لفتة او ضحكة او ابتسامة او الترنم ببيت شعر قديم او بأغنية »توب مودرن«!
شكراً لكلينتون!
لقد ذكّرنا بأن الرئيس »موظف«.. والاهم: انه انسان، كسائر البشر، له غرائزه وشهواته التي قد تغلب على موجبات السلطة ووقار الرئاسة!
… متى يخرج العالم من سراويل هذا الخاطئ الآثم ويتركه يستمتع بإنسانيته، ويترك لنا ان نستعيد انسانيتنا المصادرة من قبل سلاطيننا الذين يعيشون محصنين بعصمة الانبياء، ويفرضون علينا ان نعيش في زرائب الحيوانات، نأكل ونتناسل لنعطيهم مزيدا من الرعايا ثم نموت ويبقون ليستعبدوا من بعدنا ابناءنا!
متى نصير بشرا ويصير من حقنا ان نحاسب السلاطين بدلا من ان يظلوا يدفعون حسابهم للخارج من أعمارنا؟!
أنتٍ شبابي فعيشيني!
(إلى سي أحمد ومهدية وفاروق)
كيف يمكن ان يوصف هذا الذي يسكن هم الغد وجدانه وفكره، بأنه »سابق«؟!
كيف الذي شكّل ماضيه باباً للمستقبل وأملا بالتجدد ومدخلا لمعرفة الذات، يُتهم بأنه »ذكرى« قد تكون جميلة لكنها عبرت كبارقة ضوء في الزمن الجميل الذي مضى ولن يعود؟!
هو »سابق«، ربما، لأنه جاء قبل ساعة، قبل عام، قبل جيل من موعده الافتراضي، وحاول ان يغري أهله بشيء من العجلة لتعويض ما فاتهم، فأتعبهم على الأرجح وكانوا يأملون بأن يستكينوا وبأن يعرفوا شيئا من الراحة بعد دهور العذاب والإذلال والاضطهاد والتغريب عن الذات!
ولكنه كان لا بد من ان يتعجل هو الذي اخترق الزمان بسيف الارادة، ليعيد للأرض اسمها، ولإنسانها هويته، وللبحر لونه، وللجبال شموخها، وللاشجار خفق أجنحة النسور وصدى غناء البلابل.
الرئاسة هي السابقة، ربما… وهي قد جاءت، في الأصل، عرضاً، فأعطاها أكثر مما أخذ منها، بل لعله كان قبلها واستمر بعدها أرفع شأنا: ليس فوق الثائر الا الشهيد!
سحقت الدبابة صندوقة الاقتراع..
لكن الثورة لا تسكن في الدبابة ولا تتقدم بها.
والسلطة تكره الأفكار وتسخر من أصحاب المبادئ.
ترى في الافكار أدوات زينة: تزركش بها مقراتها بعد استئصال المبشرين بها، والمزدهين بأنهم من المؤمنين والساعين الى تجسيدها فوق السلطة وعلى حسابها.
هو ما زال يقول »لا« فيزداد كِبراً على كِبر..
يتعاظم الانسان في جلده فيكاد يضيق به الجلد..
و»الرئاسة« بعض غبار حط على سترته فنفضه بهدوء وجلس يتابع قراءته في ديوان الثورة.
مَن يزخر بكل هذا الصفاء لا يستحق ان يتولى الاحكام!
لكنه يستحق ان يكون »زوجاً« و»أباً«، وأن يمارس قليلا من انسانيته مع ذاته!
… وها هو »الأب« الآن يعيش فيها شبابه الذي أطعمه للأرض والناس والأفكار العظيمة!
وتقمع المصابة الصبا فيستكين، ثم تسحبه نشوة الحشد الى ساحتها فيرف بجناحيه وينطلق مطوقا بالعينين الناعستين والقادرتين على اختراق الحجب وقراءة ما سيُكتب غداً.
لا اعتراض ولا قمع ولا تذرع بمهابة الموقع في الوجدان.
لكن الاسم الكبير يطغى بجلاله على النشوة ويقيم لها حدوداً.
يكاد يحرضها: أن انطلقي، أن غوصي في قلب الفرح وغبي من مائه الذي طالما تشهيته، وتمثلته بغير ان أعيشه أو أراه، من وراء الصخور ثم من وراء القضبان.
إنكِ شبابي فعيشيني!
.. وهي تجيئه بين موجة من الفرح وموجة من الاعتزاز به، فترميه ببعض ورد خدها وبشيء من بهجة القلب، فيزداد تألقا ويستعيد حيويته المقموعة.
وحين هزته الفرحة وأسكره الحب وحصنته عاطفة الحشد، قام يرقص..
لكم نسي من العادات!
ها هو ينفض عن كتفيه أثقال التخلي والغدر والنسيان، ويعود الى ما كاد يكونه ثم انصرف عنه الى صناعة التاريخ!
للتاريخ مساره المعاكس.. لكن الفرح الذي في داخله لم ينقص ولم يغتله الكبت المتواصل حتى لا يؤخذ بشبهة الاهتمام بالذاتي على حساب العام، بل هو كان ينتظر اللحظة ليخرج الى أهله، إلى الناس الذين جاء منهم!
ها هو الجلال يختال راقصا. ها هو البهاء ينتفض منتشياً بغير ان يفارقه الكبر.
هذا بعض حلمك يختلج بفرحك امام عينيك فيمتلئ من جديد بما يكفي للسنوات العجاف الآتية.
ولنا، برغم كل هذا، موعد متجدد مع الفرح، الفرح الذي يصنع الثورات ويعيد خلقنا بما يليق، أي بما يمكننا أن نكون.
كلمات متعثرة من لغة الفرح..
شاهقة كنتِ، تمتد اليك الأيدي فلا تطال إلا ذيل الثوب، بينما ترف روحك فوق الحشد فتمنحه الاحساس بمتعة الحياة في عصرك، الى جوارك، في محيطك.
تدفّق الحب نهراً فغمر الأرض والناس والفضاء وعشش في الشجر الذي يقوم حدودا للعتمة وستارا لضوء القمر الآتي مترددا يداري خجلا منكِ لأنه لم يرتدِ اكتماله.
جاء عابرون يرفعون قلوبهم على أيديهم: هذه بطاقات انتسابنا اليك!
لم يكن أحد يريد للّيل ان ينتهي، ولا كان الليل يريد ان يغادرك.
لم نرغب في ان ننفصل في ضوء قمر نصفي عن العمر الذي كان.
نصف قمر يقسم الزمان زمانين؟!
مَن ذلك السخيف الذي يستحضر صور الملوك متى جاء حديث البهاء؟!
* * *
الفرح عربي السمات، كما الحزن.
هي اختراقات محدودة لأيام الرماد، لكنها ذخيرة ضرورية لأيام ما قبل الفيضان او الزلزال او العاصفة المفتوحة لها كل الحدود والتي قد تفتح ابواب الحزن جميعاً.
الفرح اسمر البشرة، أخضر العينين بلثغة عسلية.
وللفرح شعر أجعد، ينتثر فيجلل الوجه الرقيق الملامح حتى ليكاد يخفيه لولا من ذينك القبسين حيث يشتعل الرماد ربيعاً.
للفرح وجه السذاجة.
للفرح لغة متعثرة الكلمات تأخذ إلى صفاء النفس الذي منه جئتِ وفيه تسكنين!
* * *
حصل كل شيء وفق الخطة المرسومة: كالصاعقة!
فجأة غارت الأرض من تحت أقدامنا وبقينا معلقين في فضاء التيه.
تماسكنا بحكم التعوّد على مواجهة الصواعق، وتركنا »البحر« يأخذنا بين طيات أمواجه لنستعيد التوازن بقوة الاحتضان!
* * *
نحن نعوم الآن في الفراغ..
نعبر الغرف المكتظة بأنفاس المغادرين. نتفقد الأشياء الحميمة. نسوّي الأسرّة التي لم ترفع عنها الأغطية أيدي العناق، ثم ندخل الى قلب الصمت فننام قبل ان يسرق نعاسنا نشيج الفرح المحموم.
من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
من يكتفي بأن يأخذ من حبيبه باستمرار، شاكرا للحب فضله، ليس بمحب. ليس الحب طريقا وحيد الاتجاه. الحب أن تمنح حبيبك الشعور بالامتلاء، فأنت تعطيه بغير طلب لأنه يعطيك بغير سؤال. الحب ان يمتلئ المحب ثقة بصحة اختياره. ليس الحب سوقا للمقايضة… أنظرني تجد حبيبي فيّ، فهو قد أعطاني نفسي… آه، ليتني أستطيع أن أعطيه قدر ما أرغب!