سعدالله ونوس: رأى غدنا فأنذرنا ولم نسمع.. ومسرحنا فصفقنا طرباً!
تعارفنا في ظلال «حفلة سمر من أجل 5 حزيران». كان واحدنا يعرف الآخر من خلال كتاباته (خطية كانت أم شفاهية..). وكنا جميعاً نعيش حفلة السمر تلك من دون أن نعرف أنها ستتحول ذات يوم إلى عمل مسرحي إبداعي، وأن مؤلفها هو الريفي الآتي من «حصين البحر» القابعة فوق طرطوس، ناطورة للبحر، عبر القاهرة التي درس فيها لسنوات فعرفها بأهلها وبكثير من «العرب» الذين كانوا يجيئون إليها كعاصمة للفكر والثقافة والسياسة، قبل أن يكمل رحلته إلى المعرفة في «عاصمة النور» الغربية: باريس.
كنا نتلاقى بغير مواعيد ثابتة، وغالباً ما صحبت من بيروت بعض رفاق السلاح الآتين من القاهرة، وبينهم مصطفى الحسيني ومصطفى نبيل وبهاجيجو، إلى حفلات سمر في دمشق خلالها قهر مخاوفنا من غدنا وعليه.
في كل مرة كان واحد من الرفاق الخارجين من حزبهم وعليه يتبرع بأن يجمعنا في منزله «لنكون على راحتنا»، وإن ظل لواء الدعوات معقوداً في الغالب لفيصل حوراني الفلسطيني الذي كان يكتب افتتاحية جريدة «البعث» السورية، في حين أن ابن عمه المتميز بهدوئه المثير، عبد الله حوراني وربما لأنه يعرف أكثر، كان يحتل موقع مدير الإذاعة والتلفزيون.. أما مدير الحلقات فكان الحوراني الأصيل والبعثي الذاهب إلى اليسار من موقع مدير المكتب الإعلامي أو رئيس ديوان رئيس الحكومة في دمشق، حسين العودات، بينما يمارس ابن دير الزور، ياسين الشكر، دور البدوي المشاغب بثقافته ومعرفته بأعماق الإدارة الحكومية السورية، لا سيما وقد تولى مواقع كثيرة في الإعلام وحوله.
وكان سعد الله ونوس في موقع ضيف الشرف، فهو القيم على التراث من خلال إدارته لمسرح أبو خليل القباني، ثم إنه ميال إلى الصمت في انتظار أن تهدأ سورة غضب الرفاق وهم يشرحون أوضاع البلاد في ظل الهزيمة.
غالبا ما شهدت هذه اللقاءات المتقطعة عراكاً فكرياً بين المغضبين لإحساسهم أنهم لا يستحقون مثل تلك الهزيمة النكراء… فهم يزعمون أنهم يعرفون شعوبهم واستعدادها للتضحية والفداء، ويعرفون عن إسرائيل وتحالفاتها الدولية ما يجعلهم يقررون أن «دولنا» تصرفت وتتصرف في مواجهة هذه الدولة العنصرية على طريقة غزوات البدو الذين يختلفون على الأسلوب قبل أن تبدأ المواجهة.
كان سعد الله ونوس ينقّل عدستي عينيه بين المتناقشين، ويمكنك قراءة انطباعاته من خلال صمته وما يرتسم على شاشتي تلك العينين النفاذتين.. فإذا ما شارك اكتفى بالقول: انظروا إلى داخل دولكم تعرفوا سلفاً نتائج أية مواجهة مع هذا العدو الذي دخل العصر ويقاتلنا من داخله بينما نقاتله من قلب جاهليتنا.
[ [ [
لقاء بعد لقاء كانت تتوطد الصداقة على قاعدة من المعرفة المفتوحة بالنقاش الهادئ أحياناً، والصاخب عادة الذي يتفجر عند الحديث عن «الداخل».
كان سعد الله ونوس يرى غدنا بعيني زرقاء اليمامة فيذهب إلى الحزن المحرّض على رفض خديعة الإيهام بأننا إنما نبني دولاً قوية ستقودنا إلى الانتصار: كيف بشعب ضعيف وخائف تذهب إلى الحرب مع عدو عاتي القوة؟ كيف بالمقهورين الذين يتلفتون حولهم مراراً قبل أن يسألوك عن صحتك ستنتصر؟ كيف بإخفاء الحقائق عن الشعب، سواء بالمبالغة في قوتك والاستهانة بالعدو، أم بنقيض ذلك، أي تعظيم قوة العدو وتحقير شعبك وبلادك، سوف تنتصر؟ الصمت خوفاً لا يبني دولاً. ونفاق السلطة انتهازية. السكوت عن فساد الحكم بذريعة أن الكل فاسد يجعل ما تراه من هياكل الدول أكواماً من القش لن تصمد لريح الحرب. بالحقيقة نواجه وليس بطبول الدعاية الجوفاء. إن المظهر الخارجي لهيكل الدولة بقادتها الذين تسبغ عليهم ألقاب التعظيم والتفخيم لا يعكس حقيقتنا. إننا شعب من الفقراء الطيبين المستعدين لأن نقاتل ألف عام من أجل حقوقنا في أرضنا. لكنهم لا يؤمنون بالشعب. الشعب مخيف إذا صار المرجعية ومصدر الأحكام. يجب أن يظل الشعب بعيداً عن مركز القرار.
وكان سعد الله ونوس يرى غدنا كما يرى وجوهنا: بوضوح كامل يشمل النيات. وكان لا يتعب من التحذير: نحن نمشي إلى هزيمة هائلة بأقدامنا. أنا أرى المذبحة. أتحدث أساساً عن الداخل. للعدو حديث آخر. داخلنا مهترئ. داخلنا على وشك الانفجار. سنأكل لحوم بعضنا البعض. سيهدمون بيوتنا فوق رؤوسنا. ستحرق الأشجار وتغور الأنهار. ستدمر السدود وينسفون شبكات الكهرباء لتعم العتمة ونسحب إلى الجاهلية من رؤوسنا. سيقتل الوالد أباه والأخ أخاه وستُغتصب الأرملة والثكلى أمام عيون الأطفال. سيغتالون حقول القمح. سيطلقون النار على الأحصنة ويرمون الخراف للذئاب. سيكسرون المصابيح لتسود العتمة. سيحوّلون المدارس إلى مقابر ويجعلون الجامعات سجوناً والمستشفيات ثكنات.
الآن وأنا أتابع أخبار المذبحة المفتوحة التي تلتهم سوريا شعباً ودولة وقدرات لا تفاجئني، حقاً، الوقائع اليومية السوداء التي تتوارد كنتف من أشلاء «قلب العروبة النابض».
لم يكن سعد الله ونوس عرافة. كان يعرف فيرى، وكنا نتيه في أوهامنا فنضيع عن طريق المعرفة أو نهرب حتى لا نعرف. كنا نخاف من نبوءات سعد الله فننكرها ونحن نتبادل الأنخاب في حين يصيح بنا: انظروا بقلوبكم، انظروا بعقولكم، إن عيونكم مطفأة فلا ترون إلا بآذانكم. إنكم غارقون في الوهن، فانتبهوا. ألا تسمعون هدير الطوفان؟!
[ [ [
… وعندما تكامل مشروع «السفير» كان طبيعياً أن نولي الثقافة اهتماماً خاصاً. وذهبت إلى سعد الله ونوس أطلب منه أن يتولى مسؤولية الثقافة فيها.
قال: ولكنني لا أريد مغادرة دمشق.
طالت المفاوضات ونحن نبحث عن حل لوجستي. كان صعباً أن يدير القسم الثقافي من البعيد، وكان يرفض البحث في الانتقال إلى بيروت. وابتدع أبو خلدون الحوراني الحل: تذهب لثلاثة أيام في الأسبوع، وتعطي دار لجوئك في مسرح أبو خليل القباني النصف الآخر. ولك يوم إجازة في «حصين البحر».
قال المتشكك، المتردد في أي قرار لا يصدر عنه وحده: سأجرب، ولكن عليك أن توفر البديل حتى لا يتهمني أحد بتخريب «السفير».
… وجاء إلى «السفير» فوجد الكثير ممن يبحث عن أمثالهم ويبحثون عن مثله. وجد إبراهيم عامر، صاحب التجربة العريضة في كل مجال، بدءاً بالعمل اليدوي، إلى السجن، إلى الحزب الذي علّمه، إلى السجن مرة أخرى حيث جرب «الصحافة الداخلية»، كما وجد من يعلّمه اللغات الحية (الإنكليزية أساساً وبعض الفرنسية، وبعض الإيطالية.. والكثير من العربية). كذلك وجد من يعلّمه قراءة الصحف ثم الكتابة فيها. وصودف أن كان في بيروت يعمل مراسلاً لصحيفة في يوغوسلافيا، وكنا نريد ـ زملائي وأنا على وجه الخصوص ـ من يعلّمنا الصحافة فهدانا إليه الزميل مصطفى الحسيني الذي يعرفه من سجل سجناء الرأي في القاهرة، وقد كانا متجاورين فكراً ولو في سجنين متباعدين. ثم زكّاه الزميل في «المصور» آنذاك مصطفى نبيل الذي تتلمذ على يدي الكبير أحمد بهاء الدين. وهكذا جاء إبراهيم عامر إلى «السفير» ليدربنا على العمل اليومي الشاق، ثم على إنهاء السهرة بشيء من المرح قد يبلغ حدود الرقص، وكنا في «السفير»، يومذاك، حشداً من الشباب، فتياناً وفتيات يغامرون بدخول العالم السحري للصحافة. وقد رعى إبراهيم عامر كثيراً من قصص الحب التي انتهى معظمها بالزواج.
ولقد صار المتنافران طبعاً وطبيعة إنتاج صديقين حميمين وإن ظل سعد الله مستنكفاً عن «الحفلات العامة» يفضل الاختلاء بنفسه، لا سيما حين يكتب، ويختار من يجالسه ويتباسط معه حين يريد الترويح عن النفس.
في المكتب المجاور لمكتب سعد الله كان ناجي العلي يمضي الساعات يدخن وهو ينتج بعض رسوم الكاريكاتور العبقرية. وكان كلاهما انتقائياً في اختيار أصدقائه وصديقاته، ولا يستجيب للاقتحام. ربما لتشابه في الطبائع وفي القلق الفكري صارا صديقين حميمين.
… وكان شاعر زماننا محمود درويش يزورنا بين حين وآخر، ففرح بسعد الله وفرح به سعد الله، وأصر على دعوته معي إلى «حصين البحر».. وهناك سيتعرف محمود درويش إلى الشاعر حيدر حيدر فيستفزه اسمه ويرفض وجوده، بأي ثمن، ويشهر عليه السكين فارضاً على سعد الله الغارق في حرجه وعليّ أنا الغارق في دهشتي أن يطرد «هذا الذي اسمه حيدر حيدر.. كيف يمكن لبني آدم أن يحمل مثل هذا الاسم». وليس إلا بعد كثير من الصراخ والجهود المضنية للتهدئة، خصوصاً بعدما تخلص حيدر حيدر من الحرج وقام للدفاع عن نفسه بالهجوم.
تلك قصة أخرى، جعلت محمود درويش وحيدر حيدر صديقين حتى كادا ينسيان وجودنا، سعد الله الذي عادت إليه الروح، وأنا الذي عرفت المزيد عن غرائب الطباع عند العباقرة.
نعود إلى «السفير»: استأجر سعد الله ونوس شقة مفروشة قريبة لا يدخلها إلا المطهّرون. وفي مكتبه كان ينتقي من يستضيف إلى فنجان قهوة. وكان يمكنك أن تقرأ على ملامح وجهه ضيقه أو ارتياحه إلى ضيفه، لا سيما إذا كان مضطراً إلى استقباله بحكم موقعه في مركز القرار بالنسبة للثقافة بمختلف ألوانها.
كان طبيعياً أن يشكل سعد الله وناجي العلي «جبهة رفض المقرر والثابت والمفروض والذي لا بد من مراعاته إلخ..». كانا يشككان في كل ما يسمعانه أو يتم تداوله. وكانا يرفضان المقاومة من شارع الحمراء لأنها لا توصل إلى فلسطين. وكانا يتخوفان من الحرب الأهلية وانخراط سوريا فيها، وتزعجهما الهتافات المدوّية المزركشة برصاص في الهواء لا يقتل عدواً، ويخافان من الاختيارات الخاطئة التي لا يمكن أن توصل إلى القدس.
[ [ [
أين المفر يا سعد الله وأنت المحاصر بالغلط حيثما حللت، في دمشق أو في بيروت، ثم في بيروت أو في دمشق وعلامات الهزيمة الآتية أفظع من 5 حزيران وأقسى، ترسم الطريق إلى العاصمتين وبينهما بعيداً جداً جداً عن فلسطين.
ومع الحرب الأهلية التي تفجرت في بيروت ففجّرت لبنان والثورة الفلسطينية وامتدت نيرانها نحو سوريا التي كان أنور السادات قد غدر بها فانسحب من الميدان تاركاً جيشها وحده في الميدان الأوسع من قدراته، كان على سعد الله ونوس أن يعود إلى دمشق ومسرح أبو خليل القباني، وإلى بيته في برزه ـ حي الأكراد.. وإلى عشقه الأثير: المسرح… يكتب بغزارة مسرحيات يستنطق فيها الحاضر ويحاسبه بأبطال الماضي، قادة عسكريين وفلاسفة وشعراء وعلماء اجتماع.
ولقد شاركت سعد الله بعض أفراحه الشخصية، وهي نادرة، فشهدت انتعاشه يوم أتته فايزة الشاويش بـ«ديما» التي قررت أنها بيتك وديوانك المفتوح على المأساة.
كنت أزوره في صومعة أحزانه وهو يواجه السرطان، مدركاً أنه ينهش جسده على مدار الساعة، رافضاً العرض الرسمي بإيفاده للعلاج في فرنسا حتى أحرجته الصديقة الحميمة الدكتورة نجاح العطار فقبله بعد لأي مطمئناً إلى أنه قد يمنحه بضعة شهور إضافية رآها تكفي لإنجاز أعمال مسرحية قد باشر كتابتها.
ولقد واجه سعد الله ونوس كل الغلط من حوله، وهو أشد مضاضة من السرطان، بشجاعة نادرة، وصلت مراراً إلى التحدي المكشوف لأصحاب القرار. كانت مواجهة السرطان بسن القلم نمطاً جديداً من مبارزة الموت. ولقد كتب سعد الله وكتب وكتب حتى أنهك السرطان.
كتب مستقبلنا بصيغة الماضي، وذهب برؤاه إلى استعادة التاريخ الذي نحتفل بوقائعه السوداء التي تصنع مستقبلنا، وكأنها انتصارات، ونندفع إلى تخليد الذين قتلوا روح الأمة كأبطال.
وكان الشاهد الصامت على الكتابة بالوجع الزميل ابراهيم حميدي الذي لن يلبث أن يصبح ابنا لسعد الله من موقع الصهر.
[ [ [
… وتبقى قريباً، قريباً، يا سعد الله، حتى لكأنني أسمع وجعك بقلبي وبعجزي عن أن أخفف منه عنك. فأنت ما زلت معنا في بيروت التي أُخليت من أهلها ومن مساحاتها الخضراء وبيوتها المختالة بالقرميد الأحمر يزيّن رؤوسها، وأقطعت أرضها لأصحاب الثروة يبنون ناطحات السحاب لمن يملك أن يترجّل من طائرته الخاصة فوق سطوحها.
ولطالما صرخت بمخاوفك على دمشق من غدها وقد رأيت ما تعامى عنه غيرك.. ولطالما طغت مخاوفك من غدها على الابتهاج بحركة العمران فيها: أترى هذه الضواحي العشوائية كيف تتزايد؟ لقد غدت أعظم سكاناً من العاصمة، لقد بات فيها من السوريين الهاربين من فقرهم في قراهم البعيدة، ومن القحط في الجزيرة، ومن الخطط الاقتصادية العشوائية أكثر بكثير من الخمسة ملايين فيها. أيعرف أي مسؤول أن عدد سكان هذه الضواحي التي تُستنبت على مدار الساعة والتي صارت «مدناً» كيفما اتفق وبغير قرار، بأخلاط الوافدين الذين هجروا أرضهم التي لم تعد تطعمهم، وجاؤوا يحتشدون مع أولادهم الكثر في عشوائيات بعضها من صفيح وبعضها من باطون، وبعضها خرب رمّموها على عجل، وأقلهم في «بيوت» من غرفة وبعض غرفة.
وكنت تتنهد متحسراً فيما يكمل عرضه التراجيدي:
ـ كيف لا يرون الطوفان المقبل الذي سيدمر كل ما بناه الآباء والأجداد؟ كيف لا يرون انفجار الفقر والعوز بينما تتزايد ثروات النهابين؟ إن من حق هؤلاء «الأغراب» أن يعيشوا بالاضطرار من حول المدينة ولو بما يقيم الأود. لقد تسببت الدولة بتشريدهم عبر قراراتها الهمايونية إذ أفقدتهم ارتباطهم بأرضهم التي لم تعد تطعمهم. إنهم غرباء في وطنهم.
[ [ [
وكان بين مآزق هذا الكائن المعذب بأفكاره ورؤاه قبل مرضه أن «حصين البحر» أضيق من أن تتسع له، وأن دمشق أوسع من أن يستطيع تطويعها، وأن القاهرة لم تعد على السمع، وأن بغداد قد غادرت ذاتها فغيبت معها العراق وعروبته، وأن باريس التي صفقت له ليست مدينته وليس سكانها أهلك، لا لغتك لغتهم (حتى لو أجدتها قراءة وكتابة) ولا تستطيع أن تقبلها مع وعيك أنها لن تقبلك.
«حصين البحر»… والبحر يذهب إلى البعيد ولا يعيد ما يأخذه، و«الحصين» تقاتل بفقرها، وتنفر فيها الفيلات التي لأصحابها نجوم «لبنانية» على أكتافهم.
وما بين «حصين البحر» ودمشق مسافة أطول من تلك التي بين القاهرة وباريس، وأنت تحاول أن تكون الجسر والطريق، فتخسر في بلدتك الألفة وتكسب في دمشق المعرفة التي تعذبك، وتظل مشدوداً إلى المثال الذي لن يقيّض لك أن تراه بعينيك… وأنت العاشق في قلب الموت.
لقد اخترت المسرح فأبدعت إنتاجك له، ولست البطل فيه، بل لعبت دور المدعي العام، وحوّلته إلى قاعة محكمة لأبطال أثبت أسماءهم التاريخ بوصفهم طليعة مقاتلة من أجل شمس لا تغيب… وكثير منهم لم يكونوا كما صوّروا في التاريخ الذي يكتبه الأقوى.
أين المفر وأنت المحاصر بالغلط حيث تنقلت: بين دمشق وبيروت، ثم بين بيروت ودمشق، وقد أُخذت منك القاهرة اغتصاباً، ثم أُخذت منك بغداد والجزائر وصنعاء وعدن… وعلامات الهزيمة السابقة ترسم الطريق للهزيمة الآتية.
[ [ [
سعد الله ونوس ما زلت معنا. نحاول أن نقرأ أحوالنا غداً في ما كتبته بالأمس على «رأس المملوك جابر»، وفي «طقوس الإشارات»، وفي سائر مسرحياتك التي جعلت ليالينا حفلات سمر متصلة باتصال ليل 5 حزيران المخيم فوق رؤوس أجيالنا الآتية.
… ومقعدك في «السفير» خال، ومناخات قاعاتها ومكاتبها تشتاق غضبك المكتوم الذي تكتبه حواراً مفتوحاً مع المهزومين الذين يتسلقون مواقع صنّاع التاريخ وهم هم من زوّروه حتى أنكرنا وأنكرناه.
نتذكرك لننساك لأنك وجع جرحنا المفتوح الذي ينزفنا على مدار الساعة.