عن ليبيا ـ البدايات ومبدعيها المضيّعين..
عرفت ليبيا باسمها الأصلي قبل أن يغرقها «الأخ معمر» بالتسمية المعقدة والفريدة في ادعاء التميز بالعظمة، وعرفت العديد من أهلها البسطاء والطيبين، قبل تجنيدهم في اللجان الشعبية، ثم اللجان الثورية وما تفرع منها أو اشتق، خلال زيارات تكررت على امتداد عشرين عاماً أو يزيد، وشهدت العديد من التحولات والتطورات المفاجئة التي بدلت في صورة البلاد وأهلها حتى كادوا ينكرونها وينكرون أنفسهم.
كانت الزيارة الأولى في مطلع شهر كانون الأول (ديسمبر) 1971. ذهبت موفداً من دار الصياد، حيث كنت أعمل، تلبية لدعوة شخصية تلقاها عميد الدار الراحل الكبير سعيد فريحة خلال وجوده في القاهرة من مجلس قيادة الثورة بشخص عضوين فيه هما: عبد المنعم الهوني ومصطفى الخروبي.. وقد أنابني لتمثيله و«اكتشاف» هذا القطر العربي الذي كان غارقاً في النسيان إلى أن تفجرت أرضه بالنفط فبات معروفاً بمملكته السنوسية وملكه العجوز وصيغته الاتحادية التي جمعت شتات ولاياته الثلاث (طرابلس وبرقه وفزان) والتي كانت مستعمرة إيطالية… فلما جاءت الحرب العالمية الثانية دخل الفرنسيون جنوبها، سبها، من جهة الجزائر، في حين احتل البريطانيون مجمل البلاد وأقاموا قواعد عسكرية أشهرها في طبرق قريباً من حدود مصر، ثم مع تفجر النفط غزيراً جاء الأميركيون خفافاً فأقاموا قاعدتهم الهائلة في طرابلس (قاعدة ويليس).
وصلت طرابلس وأنا لا أعرف أحداً فيها، مزوداً برقم هاتف زميل يدعى مهدي كاجيجي ويعمل في مجلة «الحرية»، وباسم «مكتبة الفرجاني» الوكيل المفرد لتوزيع مختلف المطبوعات التي تدخل ليبيا، كتباً كانت أو صحفاً ومجلات عربية وأجنبية.
استقبلني في المطار من حملني إلى فندق هو واحد من ثلاثة كانت في طرابلس، وهناك ودعني قائلاً: سوف يتصلون بك.
مر اليوم الأول من دون أن أسمع رنين الهاتف. وفي اليوم الثاني اتصلت بمهدي كاجيجي لأقتل ضجر التنقل بين الغرفة وردهة الاستقبال فجاء تتقدمه ابتسامته وقال قبل أن أسأله: أخطأت بأنك حملت أعصابك معاً. عليك أن تهدأ وأن تقنع بكلمة «باهي» المتعددة المعنى في دعوتها إلى الصبر وأن تنسى أن كلمة «تواً» تعني «الآن».
هدأت قليلاً، فبادرني: هيا أُرك طرابلس.. إنها مدينة جميلة ببحرها وناسها لكن عليك، قبلاً أن تنسى المقارنة مع عواصم عربية تعرفها. هي ليست القاهرة التي يعرفها العالم كله طبعاً، وليست دمشق التي نعرفها شعراً، وليست بيروت التي يقال إنها عاصمة الحياة. طرابلس ليست أعرق المدن في ليبيا ولا أجملها. ولسوف تحسب أنك في مدينة طليانية أخلاها سكانها الأصليون لأشتات من أهل البادية والريف الذين جاءوها من كل الأرجاء مع تفجر النفط، ثم زاد عديدهم مع قيام الثورة وتمركز القرار فيها.
كان مهدي كاجيجي «طرابلسياً» بمعنى الإلفة مع المكان، وقد اكتسب من خلال اختلاطه بأقرانه الطليان في المدرسة الكثير من عاداتهم، ثم وسعت مهنة الصحافة مداركه بشيء من الثقافة والمعرفة بما يدور خارج بلاده، وإن كانت مصر هي الأكثر حضوراً في المقارنة والتشبيه.
قال مهدي وهو يوقف السيارة ويدعوني للترجل: هذا أخطر معلم في طرابلس. مكتبة الفرجاني القلب ومنها تتوزع الجهات.
دخلنا ضمن «تظاهرة» من رواد المكتبة العامرة بالكتب والمجلات والصحف. وشق مهدي أمامي الطريق إلى ذلك الكهل ذي القامة المتينة ووجهه المضيء بابتسامة عريضة. قدمني مهدي إلى محمد بشير الفرجاني فرحب بي بحرارة صديق قديم، وأخذ يسألني عن أحوال لبنان والصحافة فيه، وقد تبيّن أنه يعرف شخصياً البعض من أهلها، لا سيما بين الكتاب والأدباء وأصحاب دور النشر.. ثم دعاني إلى العشاء فاعتذرت بأنني أنتظر موعداً مع القيادة.
عاد إليّ مهدي برزمة من الكتب بعضها عن تاريخ ليبيا وبعضها الآخر من الروايات والمسرحيات والقصص، وحين تقدمت إلى الصندوق اتسعت ابتسامة الفرجاني وهو يقول: أستوفي ثمنها منك في بيروت. لكن عليك اليمين ألا تغادر إلا بعد أن تجيء إليّ لنتعشى معاً في المنزل، وإلا لن أعطيك مستحقات دار الصياد.
ودعناه، وعند الباب المزدحم بالزبائن سمعته يناديني ثم قاربني ليهمس في أذني ويده تحاول أن تدس في جيبي كماً من «الدنانير»: لمصروفك هنا… واطمئن، سأحسم المبلغ من مستحقات دار الصياد!
اخترقنا تظاهرة حشد الآتين إلى المكتبة والخارجين منها، واخترق سمعي صوت مواطن ليبي يقول: جميل أن تأخذ الخبز ساخناً من الفرن.
^ استدراك أول:
بعد سنتين، سيضطر الفرجاني إلى إقفال مكتبته، لأن السلطة منعت دخول الكتب والصحف والمجلات الأجنبية، إلا بعد إخضاعها لرقابة صارمة أعطت لنفسها حق الوصاية على عقول الليبيين، فهي تقرر لهم ما تفيدهم قراءته… ثم ارتئي أن يمنع المراقبون الجدد الكتب والمجلات الصادرة بلغات أجنبية لأنهم لا يعرفون ما كُتب فيها، في حين اختاروا أن «يدققوا» فيمنعوا من المطبوعات العربية كل ما له علاقة بالسياسة. أما المجلات الفنية فلا بأس، وأما مجلات الأطفال فتخضع للتدقيق لعلها تستبطن غير ما تظهر، وفي الحالات جميعاً فالمنع مريح لأنه يلغي احتمال المساءلة، وخصوصاً أن الأخ العقيد كان أنجز نظريته العالمية الثالثة فصارت بمثابة الكتاب المقدس، واشتبك مع عدد من الأنظمة أولها السادات في مصر، فأقفل ليبيا في وجه كل ما هو مطبوع في مصر ثم في الخارج كله، مع استثناءات «مزاجية» محدودة.
^ في البدء كان السؤال…
في اليوم الثالث لوصولي اتصل الرائد مصطفى الخروبي، قال: السيارة في طريقها إليك، وستأخذك إلى «الأخ معمر» حيث هو الآن.
جاءت سيارة جيب عسكرية مكشوفة، فركبت إلى جانب سائقها الجندي الذي رحب بي، ثم انطلق بي وهو يرشقني بأسئلة بسيطة عن لبنان والحياة فيه، وعما إذا كنت أعرف مصر التي سافر مرة إلى الإسكندرية فيها.
بعد مسيرة نصف ساعة، وجدت نفسي في وسط حقول من الزيتون، وقد انتشر فيها العسكر، قادني أحد الرتباء إلى داخل الحقل الأول فإذا أنا أمام مجلس قيادة الثورة جميعاً. كان «الأخ العقيد» يريد أن يعطي المثل لتحريض الليبيين على جني موسم الزيتون الذي استغنوا عن جمعه (بعد النفط)، لكن القدوة لم تنفع كثيراً.
تحلقت «القيادة» من حولي، وأمطروني بوابل من الأسئلة عن لبنان، عن سوريا، عن مصر التي كانت قد فقدت فأفقدتهم بطلهم وقدوتهم جمال عبد الناصر، عن الأحزاب في المشرق، عن فلسطين، عن إسرائيل، عن الطوائف والمذاهب التي لا يعرفون عنها ـ وهم المالكيون جميعاً، وإن كانوا فاطميي التقاليد ـ إلا القليل القليل ومعظمه من طابع تشهيري.
كانت المجموعة تبدو في غاية الانسجام، وكان التسليم «للأخ معمر» واضحاً، له السؤال الأول، ولهم التعليقات، وله الجواب الأخير: كانوا مجموعة من الضباط الشبان لا يعرفون ما يكفي عن الخارج، وقد باغتهم الرحيل السريع لقائدهم الافتراضي الكبير، جمال عبد الناصر، الذي كان يعفيهم من تعب السؤال فيتركون له القرار: كنا نحسب أننا سنذهب إليه بليبيا بعد انتصار الثورة فنسلمها له ونعمل حيث يريدنا أن نكون. أما وقد رحل عنا، على غير توقع فقد ارتبكنا ونحن نواجه فراغ دوره العظيم بشموله دنيا العرب وما حولها جميعاً، وتأثيره في الحاضر والمستقبل.
عدت إلى الفندق مع الغروب وبعد غداء شهي: خروف جاءوا به فذبحوه ومدوا أيديهم يتوزعون أطرافه ويكرّمونني بالطري من لحمه.
عند التاسعة مساء فوجئت بمن يهتف إليّ قائلاً بلهجة أمر: انزل لوطا (أي تحت).. ييبوك (يريدونك) في القيادة…
حملتني السيارة إلى مبنى القيادة في باب العزيزية، وعند مدخلها وجدت من ينتظرني ليأخذني إلى الأخ معمر.. وعلى امتداد خمس ساعات أو يزيد، جرى استنطاقي حول كل ما أعرف عن لبنان وعلاقاته من موقعه المميز بالدول، سوريا بداية، ثم مصر، مع تركيز خاص على جمال عبد الناصر وتأثيره في الصحافة اللبنانية خصوصاً وفي الحياة السياسية بشكل عام.
خلال رحلة العودة إلى الفندق غمرني شيء من الفرح: إنهم يسألون. هذه ظاهرة طيبة. إنهم لا يدّعون أنهم قد ختموا العلم، وأنهم يستغنون بأنفسهم عن العالم. إنهم يريدون أن يعرفوا.
[ [ [
صباح اليوم التالي جاءني مهدي كاجيجي بـ«هدية» ثمينة جداً: أخيه الأكبر بشير كاجيجي، وهو «ابن بلد» أخذ عن أمه المصرية ظرفها، وعلمته صروف حياته وتقلباتها أن يقبلها كما هي، كان، بحق الرجل الذي يعرف كل شيء عن كل الناس.
قال لي بشير بهدوء: أظن أن عندي صورة للقذافي ستكون غلاف العدد الجديد من «الصياد» إلى جانب حوارك… إنها صورة طريفة، ثم إنها نادرة. أظنه هو نفسه قد نسيها.
فتح محفظته التي تشبه «جراب الكردي» فأخرج منها صورة للأخ معمر ملثماً بثياب الطوارق. كانت طريفة حقاً، وفريدة في بابها آنذاك. ثم شرح لي معنى كلمة القذافي ومصدرها: كان بعض أجداده من المتصوفة، وكانوا يواصلون اللهج بأسماء الله الحسنى حتى يقذفوا الدم من أفواههم… وهكذا صاروا «قذافي الدم»، ثم اختصرت إلى «القذافي»، وهم قبيلة من منطقة سرت، وسط ليبيا، وإن كان هو قد نشأ في أسرة فقيرة في فزان، في أقصى جنوب ليبيا، تعيش على الرعي.
^ استدراك ثان:
بعد ستة شهور من زيارتي الأولى، أوفدتني دار الصياد إلى ليبيا ـ الثورة، مرة أخرى، فقد اعتبروني خبيراً بها. واستقبلني مهدي كاجيجي في المطار، وعلى الطريق إلى الفندق سمعت منه عن التحولات التي طرأت، وبعضها غير مطمئن، وعن نية شبه معلنة بتأميم الصحافة. وكان بشير الهوني وبعض أشقائه قد أصدروا صحيفة «الحقيقة» في بنغازي، وقد حشدوا لها الكفاءات المهنية من مصر ولبنان وسوريا وبعض فلسطين، وأخرجوها أنيقة، عصرية، غنية المادة ولها موقفها. وأصدر غيرهم صحفاً أخرى في بنغازي ذاتها وفي طرابلس، إضافة إلى الصحف الموجودة. بالمقابل كانت القيادة قد أصدرت صحيفة «الثورة» في طرابلس لتكون لسان حالها، وباشرت التضييق على المطبوعات الأخرى وأبرزها «البلاغ» التي كان أصدرها ثم رحل في عز شبابه كاتب محترم (علي وريث) ثم مجلة «الحرية» التي كان مهدي يعمل فيها، وكان مستواها مقبولاً.
حدد لي موعد مع «الأخ العقيد» فذهبت بصحبة مراسلنا المعتمد مهدي كاجيجي، ودخلنا مبنى القيادة، وتقدمنا ضابط إلى غرفة انتظار، ودخل، ثم عاد ليهمس في أذني: تفضل.. وحدك! قلت: لكننا اثنان، وهذا معتمدنا هنا، وهو من سيتابع، قال باختصار: التعليمات قاطعة: وحدك! وعندما حاولت مناقشته اكتفى بأن قال لي وهو يدفعني إلى مكتب القائد: أقنعه هو!
كان القذافي وحده في المكتب، وتقدم للسلام عليّ فلاحظ انفعالي. قلت: معي زميلي مهدي كاجيجي، هنا، وهو معتمد دار الصياد لديكم، ثم إنه كاتب معروف في مجلة «الحرية» هنا، وإنسان محترم…
قال القذافي وكأنه لم يسمعني: اجلس… ها، من أين نبدأ!
قلت مستفزاً: لن أجلس حتى يدخل مهدي.
قال: من مهدي هذا؟! ليس في ليبيا صحافة، وليس فيها صحافيون. دعك منه واجلس! كل الليبيين حمير!
زادني كلامه إصراراً على موقفي، فاضطر لأن يوافق على إدخال مهدي الذي انسل إلى المكتب تتوزعه مشاعر الخوف والانبهار والغبطة لدخوله التاريخ!
^ أكبر من المتألّه وأبقى…
أواخر صيف 1972، تسنى لي أن أشهد محاكمة علنية لصحيفة «الحقيقة» تابعها جمهور القراء في ليبيا باهتمام كبير. فركناها من آل الهوني كانا يحاولان استيحاء تجربة «أخبار اليوم» في مصر بقيادة مصطفى وعلي أمين. ثم إن بين كتابها أبرز قلم في ليبيا: الصادق النيهوم.
عبر تلك المحاكمة تعرفت إلى ذلك المفكر الكبير الراحل الذي كان الليبيون عموماً يسمونه «الفيلسوف» ويتعاملون معه باحترام كبير، ويعتزون بتجربة «الحقيقة» التي قفزت بالصحافة الليبية إلى مستوى قريب من مستوى صحافة مصر ولبنان (ولم تكن صحف الجزيرة والخليج قد شهدت الطفرة بالإمكانات المفتوحة التي وصلت بها إلى حيث هي الآن..).
كان صعباً عليّ، خلال المحاكمة، أن أحظى بفرصة للقاء خاص مع الصادق النيهوم، فاكتفيت بمتابعة أحاديثه مع جمهور المعجبين به، ثم سعيت إلى المكتبة فاشتريت بعض كتبه، وكانت قليلة بعد.
بعد سنوات، سيقدر لي أن أعقد صداقة حميمة مع هذا المفكر الممتاز في جنيف التي نفى نفسه إليها ليواصل الكتابة بعيداً عن القذافي وإبداعاته الفكرية، وإن ظل يتردد على بلاده بين الحين والآخر، ويستدعيه «القائد» الذي صار «عالمي الفكر» الآن، فيعقد معه لقاءات فكرية صاخبة، يسفه خلالها الكثير من مقولاته الثورية ومن إبداعاته غير المألوفة، محتمياً بحصانة شعبية تمنع على السلطة اعتقاله.
وقد حفظ الصادق للقذافي أنه مكّنه من إنشاء دار نشر باذخة في أوروبا، لإصدار دائرة معارف متعددة وجوه الإنتاج سنعود إلى حديثها، الأسبوع المقبل.
وفي تلك الفترة ذاتها تسنى لي أن أتعرف على مبدع ليبي آخر سيصبح ذا سمعة أدبية عالمية بعد سنوات، هو «الطارقي» إبراهيم الكوني الذي فتح عيوننا على كون لا نعرفه فقدم إلينا الصحراء وقد «أنسنها» فأنطقها شعراً وجعلها مركزاً لحياة لا تشبه حياتنا بل هي أغنى.
كذلك فقد أتاح لي التردد على طرابلس فرصة اللقاء مع مبدع ثالث هو الأديب الكبير أحمد إبراهيم الفقيه، الذي أنتج وما زال ينتج عدداً من الروايات ـ الأنهر التي تؤكد موهبته وتثبت جدارته بموقع مميز كروائي عربي لا يقل مكانة عن نجيب محفوظ مع فارق العصرية والتحول في العالم… لإعادة اكتشاف الذات!
والفقيه الذي يسكن في قلب حذره يزور ليبيا أحياناً لكنه يكتب خارجها.
^ استدراك ثالث:
بين أجمل من «اكتشفت» في ليبيا رسام كاريكاتور من مستوى فائق الذكاء بريشته الرقيقة في تشريحها للواقع: محمد الزواوي.
ولقد تعبت من «مطاردة» هذا الفنان الكبير الذي نادراً ما يخرج من بيته، وعبثاً تحاول الاتصال به… وكان بعض أصدقائه، وهم قلة، يعمدون إلى «مداهمته» بإلقاء وريقة تحت الباب، فإذا ما انتبه إليها رد الاتصال وحدد موعداً للقاء.
سعيت إليه بإعجابي وتقديري، فلما التقينا بادرني بالقول: معظم من يجيئنا من المنافقين، ولقد وجدتك مختلفاً فجئت.
عرضت أن نعيد نشر بعض إنتاجه، أو أن ننشر رسومه بالتزامن مع نشرها في بعض صحف ليبيا، فاعتذر بأدب جم. قال: أنا أهرب من واقعي إلى السخرية من أوضاع دول أخرى متوقعاً ارتدادات رسومي هنا. إنهم ينقبون في الخطوط، وينظرون إلى الرسم من القفا، ويحاولون استنطاقه وتأويل ارتداداته المحلية… لذلك اعذرني. إنني لا أريد أن «أنفي» نفسي. إنني «ولد البلاد» وأريد أن أبقى فيها. ربما في يوم مقبل، ربما في غد أتمنى ألا يكون بعيداً.
[ [ [
الملحمة الليبية لما تكتمل فصولاً…
ما أبعد الشقة بين البداية النابضة بأمل اقتحام الغد بالثورة وبين الارتداد إلى الزمن الذي كان فيه الأباطرة يملكون الأرض ومن وما عليها، ويتصرفون برعاياهم تصرف المالك بماله.
لكن وجدان ليبيا ما زال ينبض إبداعاً، وما تزال عروبتها خارج نطاق النظرية العالمية الثالثة.
مــن أقــوال نســمة
قال لي «نسمة» الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
ـ الحب يتقدم على الملوك. لقاء الملك يجعل طالبه صغيراً، بينما لقاء حبيبك يطير بك فوق الزمان ويدخلك تلك الجنة التي لا تقبل الملوك في نعيمها إلا رعايا. ونحن نحن رعايا الحب…