طلال سلمان

هوامش

الطالباني رئيساً ضد صلاح الدين!

صار »الكردي التائه« جلال الطالباني كما وصفته مرة فضحك وعاتبني ولم يغضب، رئيسا لجمهورية تحت التأسيس في العراق تحت الاحتلال، المهددة بالتيه، كيانا وهوية ومصيرا.
وليس اكثر من اصدقاء جلال الطالباني الا خصومه… فرجل كل الفصول، وكل الدول، يمكن ان يكون تركياً في تركيا وعربيا في دمشق والقاهرة وايرانيا في طهران واميركيا في اميركا وفرنسيا في فرنسا وامميا في بيروت، لكنه يبقى كرديا في العراق، برغم انه كان مستعداً في تحولاته التي لا تُحَد لان يكون »بعثيا«، ذات يوم!
كان العذر دائما انه ينتمي الى حركة تحرر وطني لا تعرف الحزبية بالمعنى العقائدي، وانه بوصفه ابن اقلية قومية مضطهدة لا يجوز له ان يضع بيضه في سلة واحدة، ولا بد من ان يُبقي جميع الابواب مفتوحة، متحملاً الاتهامات القاسية التي يمكن ان يوجهها اليه من يريده في صفه لمحاربة خصومه ليس إلا.
كنا نتمنى لو ان هذا السياسي المحنك الذي يُعتبر معاوية استاذَه الاكبر، قد حقق طموحه الشخصي، ولو باسم حقوق الاقلية الكردية في العراق قبل ان نخسر العراق…
فلا نظن ان شعب العراق كان سيعترض، جديا، على ان يصل مواطن كردي الى رئاسة الجمهورية فقط لانه كردي… وبين العديد من مسؤولي العهد الملكي، بخاصة، وبعد ثورة 1958، كان هناك مَن هم من اصول كردية او تركية او… داغستانية. لكن العراقيين لم يعترضوا على اصولهم حتى وهم يعترضون على سياساتهم. هل نتذكر ان بغداد كانت عاصمة للخلافة العباسية التي امتدت او مدد لها في الزمان لمئات من السنين، والتي كانت واجهتها عربية، أما مركز الحكم فلامراء الجيوش والحكام الفعليين الذين كانوا بمجملهم من اصول غير عربية، وكانوا يعزلون »الخليفة« الضعيف والمتهالك، العجوز او الصبي، مرة كل سنة او شهر او اسبوع او اقل؟!
ولقد التقيت جلال الطالباني مراراً في انحاء مختلفة من دنيا تيهه، ومرة واحدة في مركز نفوذه، السليمانية، وذلك في صيف 1970، وبعد اربعة شهور من عقد ما سُمي آنذاك اتفاق الحكم الذاتي مع السلطة المركزية في بغداد (ورئيسها احمد حسن البكر اما مركزها فصدام حسين). وأذكر انه كان في قمة السعادة لانجاز ذلك الاتفاق التاريخي، الذي توقع كما توقعنا ان يكون خاتمة الاحزان في الحرب التي كانت لا تهدأ حتى تشعلها اخطاء السلطة المركزية في بغداد، ملكية او جمهورية، بعثية او »قومية« او بعثية مجددا، في شمال العراق، والتي لم تكن لها جذور عنصرية، بل كانت تعبيرا عن ضيق النظام بمواطنيه وحقوقهم… فلم يكن عرب العراق، في ظل هذه الحروب، اسعد حالا من اخوانهم الاكراد وسائر الاقليات.
في الرحلة ذاتها التقيت القائد الكردي الكبير الملا مصطفى البرازاني (والد مسعود)، والذي بدأ جلال الطالباني حياته السياسية من داخل حزبه الديموقراطي الكردستاني، ثم انشق عنه، كما انشق عمن قبله، وكما انشق عمن بعده، حتى سرَت نكتة تتساءل: متى ينشق جلال عن الطالباني؟
كان البرازاني الكبير الذي عرف بشدة مراسه وبشدة حذره، حريصاً على ان يحدثنا بالكردية ويتولى احد رجاله الترجمة، بينما كان الطالباني الذي يعرف كل اللغات يحدثنا بعربية ليس فيها لحن… وفي حين بدا البرازاني متشككا في امكان تنفيذ الاتفاق الذي رأى آنذاك انه ممتاز، فقد اندفع الطالباني مع حماسته الى حد اننا تساءلنا عما اذا كان ما زال »بعثيا«!
كنا نتمنى لو ان جلال الطالباني او غيره من الاكراد قد تمتع بمنصب الرئاسة بحكم وطنيته، ونتيجة انتخابه من طرف الشعب العراقي وهو يتمتع بحريته، لكان الانتخاب قد جاء شهادة للعراقيين خصوصا، وللعرب عموما، بنبذ العنصرية والابتعاد عن التعصب القومي، وشهادة جدارة لهذه الامة بانها تعترف بعناصرها كافة، ولا تمنّ عليهم بهذا المنصب او ذاك بل تشرّفهم به لأنهم »ابناؤها«.
كنا نتمنى لو ان رئاسة العراق قد ذهبت الى الاكراد احفاد صلاح الدين الذي انتصر على الصليبيين كما كان يقول »مام جلال«، وليس الى جلال الطالباني في ظل الاحتلال الاميركي الذي وصفه قائده جورج د. بوش بأنه يشابه استئنافاً ل»الحرب الصليبية«… ولا يهم انه حاول بعد ذلك ان يصحح »زلة لسانه« هذه التي لم تكن الاولى ولن تكون، بالتأكيد، الاخيرة.
المهم ان تعيين جلال الطالباني رئيسا لجمهورية العراق تحت الاحتلال، تم من دون ان يرتفع صوت عربي واحد يرفض الطالباني لانه كردي… اما من اعترض لاسباب تتصل بالمواقف السياسية لهذا »المكيافيلي« فذلك امر آخر.
ومع ان العراق تحت الاحتلال فليس كل من »انتخب« الطالباني رئيسا من بين العرب انما تخلى عن »عنصريته« ووافق على الكردي رئيساً بسبب من الضغط الاميركي. فالضغط الاميركي، كما نعرف من تجارب عديدة اخرى ابرزها واعظمها حضورا في فلسطين، يعزز العنصرية ولا يحاربها، شأنه شأن اي احتلال استعماري آخر… وليس للاميركي من صورة اخرى الا اسرائيل.

المواطن الذي اغتالته الكيانية في شارع بيروت العربي

… وما دمنا في الحديث عن العنصرية فلنتأمل ما اصابنا في لبنان، وكيف تحول الجمهور من وطني/عربي الى كياني عنصري معاد للعروبة، وبالتالي خارج من وطنيته وعليها.
لقد اخذت الكيانية المعتقة اللبنانيين مرة الى قتال ضد الذات، بذريعة ان قسما كبيرا منهم، لعله الاكثرية، قد نصر القضية الفلسطينية وقاتل مع المقاومين الفلسطينيين ضد الاحتلال الاسرائيلي، فكانت النتيجة ان انفجرت الحرب الاهلية التي »نحتفل« هذه الايام بذكراها الثلاثين…
لم يتورع الكياني اللبناني آنذاك عن الاستعانة بعربي آخر، هو السوري، لقتال الكيانية الفلسطينية التي سرعان ما تخلت عن »حليفها« اللبناني عندما توفرت الفرصة لصفقة مع الكيانية الاسرائيلية.
كاريكاتورياً، يمكن ان يقال ان كيانيتين »عربيتين« قد قاتلتا بالتناوب ضد كيانية ثالثة، فكانت النتيجة ان خرج الجميع من عروبتهم ولم يعودوا اليها بعد، ومن الصعب ان يعودوا اليها الا اذا انتبهوا الى ان الكيانيات لا تحمي اوطانا، بل هي تدمرها، بل قد تئدها عند ولادتها.
بيروت التي كانت عبر تاريخها »الشارع الوطني العربي«، سرعان ما حولها صراع الكيانيات الى محرقة للوطنية والعروبة وكل ما هو مشرق ونبيل في تراثها النضالي.
لقد تحول الشارع المفتوح لرياح الكيانية، بذريعة الثأر للدم المهدور ظلما وعدوانا، الى نفق طويل، معتم ومتعرج، يبث الرهبة والتحسب لمفاجآت تأخذ الى احزان اليأس.
كان الشارع فراشا للشمس وملعبا للآمال… وكان ارض المواعيد مع الاحلام، لا ينزل اليه الناس بالغضب الا اذا طفح الكيل وافتقدوا »الحارس« فلم يجدوه في موقعه، ولم يجدوا بدا من التصدي لصد الريح بصدورهم.
توالت الاخطاء فتراكمت حتى سدت طريق الشمس، وتم اغتيال الآمال والتمنيات والارادة الطيبة التي لم تجد من ترعاها.
… وانشطر الشارع الى اثنين، الى ثلاثة، الى اربعة. صار الشارع كمينا للآمال والاحلام. تكدست في الشارع الأماني المحبطة والاحلام المكسورة. امتلأ الشارع بالركام.
كان الاهل يصحبون اطفالهم للتفرج على الديموقراطية… وكانت الديموقراطية مشغولة بالبكاء على رأس الشهيد في ضريحه ذي المنارات.
ثم… نزلت الكيانية الى الشارع بخيلها ورحلها، وقد تشطرت طائفيات ومذاهب.
رفرفت الاعلام »الموحدة« برغم ان حملتها ليسوا موحدين. غطت الاعلام الوجوه. غطت الاعلام النوايا. صار العلم قناعا. تبدى الكل واحدا موحدا، كامل التزوير بحيث اختفت الحقيقة، واختنقت تحت ضغط خشب الأرز المتراكم فوقها.
كان ثمة من يحمل هذا العلم لاول مرة. وكان ثمة من كان يرى نفسه صاحب الحق الشرعي في حمل هذا العلم والممثل الشرعي الوحيد للكيان الذي يرمز اليه، لا شريك له في الداخل او من الداخل.
كان ثمة من يرى في العلم اداة وصل مع الذين خلف البحر، واداة قطع مع الذين خلف الجبل.
تشطر »المواطن« الذي لم يكن في اي يوم مواطناً: صار »الوطني« في مكان، »اللبناني« في مكان، »العربي« في مكان، »التقدمي« في مكان، »المقاوم« في مكان، »المستسلم« في مكان، ومن يريد العيش بهدوء في لامكان…
تشطر الانسان الواحد اهدافاً وأفكاراً ومطالب ليست موحدة.
التهمت الكيانية، مرة اخرى، »المواطن« والوطنية.
التهمت الكيانية، مرة اخرى، »العروبة« و»القومية«.
تم النصر المطلق للكيانيات بعدما وفر لها »العرب« الذخيرة، فقتلوا المشترك بينهم: انتحروا، ممارسين الحرية والسيادة والاستقلال.
… وها هو مجلس الامن يؤبّنهم دولة دولة: لبنان، سوريا، وفلسطين الممنوعة من ان تكون دولة، كما أبّن من قبل مصر والاردن، ليبيا والسودان، الجزائر واقطار الخليج التي تصير ممالك من قبل ان تصير دولاً.
عاشت الكيانية. مات العرب!

حكاية/نثار الرجال السابقين!

دخل البهو المزدحم بضيوفه يتقدمه ضيقه بمثل هذه المناسبات المضجرة. قال في نفسه: هي دقائق من المجاملة ثم ننصرف الى ما ينفع.
كان الرجال يتوزعون في حلقات نميمة، بعيدا عن زوجاتهم اللواتي كانت كل اثنتين منهن تنهشان في لحوم الاخريات.
ضبط رجالاً »يبصبصون« على نساء اصدقائهم، وضبط نساء يغمزن لغير ازواجهن… واستعرض الازياء والتسريحات والمجوهرات محاولا الفرز بين الاصلي والتقليد، وضمن الثروة التي تثقل على الظاهر من اجساد السيدات اللواتي يدخلن في مباريات غير معلنة مع الفنانات مطربات وراقصات ومقدمات برامج تلفزيونية، لا سيما أولئك اللواتي يحاضرن ضد تحويل المرأة الى سلعة، والنساء الى حريم… للسلطان!
شدته عينا القطة فاقترب بحذر كمن يداري تأثيرا محتملا لساحرة تعرف الغيب.
مدت يداً نحيلة بأصابع رقيقة ليس فيها اي خاتم.
لم تذكر اسمها ثقة منها انه لا بد قد عرفها من غيرها، واكتفى بان تمتم بكلمة مجاملة، وهم بان يمضي للسلام على معارف واصدقاء، الا انه سرعان ما تجمد في مكانه حين سمعها تقول: هل اضجرتك، بهذه السرعة؟
ارتبك وهو يتمتم معتذرا، فأضافت باعتداد: ظننتك جئت خصيصا لتلقاني.
سمع نفسه يقول من دون تفكير: لنفرض ان ذلك صحيح، فهل يرضى غرورك؟
استدارت تودعه: أما واننا من الصنف نفسه فسأمنحك الفرصة لان ترضي غرورك!
ومن خلفه جاءته ضحكة انثوية مكتومة، فالتفت ليجد تلك التي احترفت تجميع نثار غروره المحطوم لتضيفه الى محفوظاتها من تراث الرجال السابقين!

من أقوال »نسمة«

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
لا تقبل من حبيبك الضعف بحجة الحرص على الحب. الانكسار ليس من الحب، ولا يمكن ان يكون سلاحا لحمايته.
الحب يزخمك باحساس انك اقوى من القدر… فكيف اذا كان قدرك في يسار صدرك!

Exit mobile version