طلال سلمان

هوامش

كولن باول »ضائع« في منتدى عمرو موسى في ديترويت

نقل »العرب« المواجهة بينهم وبين الإدارة الأميركية إلى قلب بلاد العم سام، واختاروا ديترويت ساحة للمبارزة بسلاح الدمار الشامل الذي يملكونه: الكلام!
المبادرة شجاعة إلى حد أنها دون كيشوتية، خصوصاً أنها اتخذت من الاقتصاد موضوعاً يغري ب»المشاركة« بدلاً من »المواجهة«… علماً بأن الأولى مستحيلة لانعدام التكافؤ، والثانية مستحيلة لانعدام الرغبة فضلاً عن انعدام القدرة.
فالواقع أن »الأصدقاء« الأميركيين يشاركون »العرب« في كل ما يملكون بدءاً من القرار السياسي وانتهاءً بالثروة التي جرت محاولة جريئة ذات يوم لاختزالها بشعار »نفط العرب للعرب« فانقلب الشعار على أصحابه وصار »العرب للنفط، والنفط لأميركا«.
ثم إن »الأصدقاء« الأميركيين، وقد انتبهوا إلى الواقع الرديء الذي يعيشه العرب، قرروا »تحريرهم« من كل أسباب التخلف التي تجعلهم »إرهابيين« بدءاً بدينهم الحنيف مروراً بمناهج التعليم وصولاً إلى تحرير المرأة، كل ذلك تمهيداً لنشر نور الديموقراطية في عقولهم المغلقة بالتعصب وفي قلوبهم المغلقة بالأحقاد.
وهكذا تحول المنتدى الاقتصادي العربي الأميركي إلى مبارزة ودية بين شركاء مرفوضين من شركائهم المفترضين… واستطاع عمرو موسى أن »ينتقم« من الإدارة الأميركية التي رفض رئيسها استقباله ومعه »لجنة المتابعة العربية«، بأن يستدرج كولن باول ومعه كريمة »غريمه« ديك تشيني إلى تلك الولاية الأميركية التي يعيش فيها أكثر من مليون عربي، بفضل مصانع فورد التي نشأت تزاوج بين عبقريتين: الأول مبتدع السيارة هنري فورد، انطلاقاً من المزج بين العربة (بالخيل) والدراجة، أما الثاني فهو اديسون الذي »فجّر« الشرارة فكانت الكهرباء وبالتالي محرك »السيارة«.
وفي تلك المنطقة يعيش حوالى نصف مليون عربي، وربما أكثر، بينهم أكثر من مئة ألف لبناني، غالبيتهم الساحقة من أهالي الجنوب، وتحديداً من بلدتي تبنين وبنت جبيل… بل إن مدينة »ديربرن« في ديترويت تتضمن حيين متواجهين يطلق عليهما كل فريق من الأهالي اسم مسقط رأسه.. العاملي.
كذلك ففي ديترويت حشد من المهاجرين اليمنيين تصل أعدادهم، بحسب الشائعات، إلى ثلاثمئة ألف، ووجودهم قديم نسبياً، هم أيضاً.
بالمقابل هناك أحياء أنشئت في السنين الأربعين الأخيرة للكلدان العراقيين الذين يحظون برعاية خاصة، حتى من قبل الحملة العسكرية التي شحنت في طائراتها الديموقراطية إلى العراق.
في هذا المنتدى ذي العنوان الاقتصادي تهاطلت البشائر السياسية، ومنها:
1 إعلان كولن باول، بغير وجل، أن »القيم التي نشترك فيها مع أصدقائنا وحلفائنا في الغرب، إنما تجمعنا مع الأكثرية الساحقة من العرب والمسلمين في الشرق الأوسط«!!
2 ان التيار الكهربائي قد عاد (؟!) إلى العراق وبقوة 3700 ميغاوات!
3 بالمقابل »فإن أسوأ الأمور (على حد قول باول) أن ننقل الحكم بسرعة إلى العراقيين«.. ففضلاً عن أن السرعة من الشيطان، فإن »العراقيين يحتاجون إلى وقت لصياغة دستور جديد«… يؤسس لمسلسل لا ينتهي من الحروب الأهلية بين العناصر المكونة للعراق بواقعها وأصولها وتفرعاتها وانقلاباتها وتقلباتها بين الأديان والطوائف والمذاهب، سواء أكانت تتحدر من الكرد أم من التركمان أم من الأشوريين والحثيين والبابليين والكلدان أم من العرب العاربة فضلاً عن العرب المستعربة!
4 ثم إن كولن باول أحال عملية إعادة إعمار العراق إلى مؤتمر الدول المانحة الذي سينعقد بعد ثلاثة أسابيع في مدريد… وبذلك تكون »الدول المانحة« أشبه بمأوى العجزة أو صندوق الزكاة الخاص بالعرب والمسلمين، تحديداً (من أفغانستان إلى فلسطين ثم إلى العراق.. أما لبنان فقد تكفلت به »مبرة« جاك شيراك، عبر مؤتمر باريس الأول الذي ولد الثاني ثم أصابه العقم بعد إجهاض باريس 3!).
5 ثم إن كولن باول اعترف بلسان عربي فصيح بواقعه، فقال »أنا ضائع«!!
6 بالمقابل زف إلينا سعود الفيصل بشرى ملكية مفادها أن أبواب الدبلوماسية في مملكة الذهب الأسود تنفتح أمام نسائها… وهكذا سيكون بوسع المرأة في تلك المملكة أن تدخل العالم السحري للعلاقات الدولية، قبل أن يتحقق حلمها بأن تكون لها بطاقة هوية خاصة بها، أو أن تتمكن من الحصول على رخصة بقيادة السيارات التي هي رجس من عمل الشيطان.. فلا بد من تجنبها.
أما فلسطين فقد رأى باول ببصيرته النافذة أن حلمها يجرجر نفسه على طريق مأسوي ومسدود بسبب افتقارها إلى قيادة ملتزمة بمكافحة الإرهاب، تقوم بتفكيك المنظمات التي ما تزال تحاول حماية الحلم من أن يغتاله شارون بالطائرة الأميركية.
على أن كولن باول صدق في جملة واحدة قالها، وهي أن »الإرهابيين يقتلون الأمل«؟!
أتراه كان يعني بعض أركان إدارته من أصحاب الحلم الإمبراطوري فضلاً عن الذي انتدب نفسه رسولاً ومبشراً باسم العزة الإلهية تهاتفه وتبلغه الإرادة السامية فينفذها من مقره المنيف في البيت الأبيض: جورج و. بوش!

ثقافة المجتمع الفقير والفكر الغني وبينهما.. عصفور!

لكل مؤتمر صاحبا رعاية، سواء أكان عنوانه تحديد النسل ام حماية اللغة العربية من الانقراض، ام حماية البيئة من مخاطر ناهشي الجبل ومحولي الصخر والبحص إلى ارصدة بالدولار، بينما الدولة تتهاوى نحو الافلاس.
والرعاية متى كانت رئاسية تقتضي ان يجيء ممثلون للرؤساء جميعاً، وما اكثرهم في لبنان، مدنيين وعسكريين وبين بين، ولذلك يمتد »الصف الاول« طويلا طويلا، دون ان يعني طوله ان المتصدرين يفقهون موضوع الندوة، او انهم معنيون بالمناقشات، او انهم يعرفون المشاركين فيها، مهما تعاظمت مراتبهم العلمية او ألقابهم الاكاديمية.
هم يأتون الى »الصورة«، فإذا فرغ المصورون لا سيما اولئك العاملون للفضائيات من مهمتهم، غالب »الرعاة« النعاس في انتظار نهاية حفل الافتتاح، وفتح »البوفيه« وفيه كل ما لذ وطاب، وبعدها ينصرفون مشيّعين بالتكريم…
بعد انصراف »الممثلين« تفرغ القاعة الا اقلها، وربما لهذا يحتدم الجدل بين »اصحاب اوراق البحث«، وبين المناقشين، حيث لا جمهور يسمع او يفصل في الخلافات او فلنقل في الاجتهادات.
احد الناشطين في عقد الندوات وحشد الاسماء اللامعة فيها، فضلا عن تأمين المستلزمات، هو الدكتور عبد الرؤوف فضل الله، المعروف باسم »المجمع الثقافي العربي«.
آخر الندوات عقدها الدكتور مجمِّع المثقفين والرعاة في بيروت كانت حول »اللغة العربية وثقافتها خارج الوطن العربي« وقد شارك فيها علماء من إيران والصين والهند واندونيسيا وإيطاليا وفرنسا والمانيا وغير دولة عربية… كان من بينهم النجم اللامع في سماء المحاضرات والندوات والكتابات الصحافية والافكار »الشيطانية« عن »المثقف والسلطة، جابر عصفور.. وقد جاء هذه المرة ممثلاً شخصياً للأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، الذي كان في نيويورك يحاول »إنعاش« الأمم المتحدة بالطريقة التي أنعش بها الجامعة العربية.
ولأن »النميمة« هي عماد الجلسات مع جابر عصفور، فقد كان لا بد من مأدبة لالتهام »المنافسين« و»المناكفين«، السابقين منهم واللاحقين والطامحين المتعجلين الانضمام إلى نادي »الملتهمين المبتسمين« من كتاب الملوك والرؤساء الى كتاب السيدات الأوليات الى كتاب بعض اصحاب السمو في مؤسسة الفكر العربي…
ولأن الفكر العربي »غني« فلا بد ان تكون مؤسسته من اصحاب الملايين. وسهل على من يعطي الكثير بكلمة او بإشارة ان يجمع القليل ممن نالوا العطاء بكلمة او اشارة.
وهكذا تيسر لهذه المؤسسة ان تنطلق لامعة، وهاجة، حاشدة بأصحاب الثروات الفكرية والعقارية والنقدية، وأن تصير »مقصداً« وملاذاً لأصحاب »المواهب« المطمورة والآراء المطموسة بقهر السلطة او المال او كليهما.
***
بين أخبار جابر عصفور أن بعض الكتاب والمفكرين والبحاثة المجهولين في عدد من الجمهوريات الإسلامية (السوفياتية سابقاً)، وفي بعض الولايات الإسلامية داخل يوغسلافيا السابقة، قد أنقذوا كنوزاً من التراث العربي والإسلامي.
وقال عصفور الذي له ذاكرة فيل وقلم برؤوس عدة وأسلوب مشوّق في الرواية إن بعض الكتاب في كوسوفو وأنحاء أخرى من بلاد الصرب، ظلوا يعملون تحت القصف، وغالبا في ضوء الشموع، على استنساخ بعض أثمن المخطوطات وأندرها، وعلى ترجمة العديد من أمهات الكتب العربية إلى لغاتهم الأصلية، مستعينين بدراساتهم القرآنية على فك طلاسم العربية التي لها مكانة مقدسة في وجدانهم.
ومؤكد أن »المجمع الثقافي العربي« سيعمل على نشر بعض هذه المخطوطات، علماً بأن مسؤولياتها أثقل من أن تتحمّلها مؤسسة ناشئة وضعيفة الإمكانيات كالمجمع، ولعل مؤسسة الفكر العربي تنفق شيئاً من مالها الكثير على هذه الكنوز المستنقذة في بلاد الصرب والتتار والشيشان والمغول والآذريين والتركمان، فتجمعها وتنشرها، بعد تدقيقها، فتقدم »زكاة« لمالها المجموع يعيد وصل ما انقطع من حبل الثقافة العربية التي قد يرى البعض أن ماضيها من أسف أزهى من حاضرها.
وتتمةً لهذا الاقتراح الذهبي: يكلَّف جابر عصفور بتوليد الثقافة من المال والمال من الثقافة، وهكذا يصيب العصفور أكثر من هدف بحجر واحد!

حكاية/ فاتح الشهية!

عصفت الانوثة بالمكان ناشرة عطرها مطراً يزحم الأنوف الرجالية الرابضة فوق الشوارب الكثة.. وزاغت العيون وهي تحاول متابعة ما يرتسم فوق الوجوه من ملامح متناقضة بحسب تقدير كل منهم لأمله بأن يناله من نعيمها نصيب.
تحدثت فأصغوا ولم يسمعوا. كانت عيونهم تتابع شفتيها ويديها وتقاطيع جسدها وهي تتحرك فتقف أو تجلس أو تمشي خطوات قصيرة نحو هذا أو ذاك ممن احتشدوا ليحيوا معها ولها »العيد«.
لم يكن في البرنامج حيز للغناء، لكن صاحب العود تسلل خلف صاحب الرق، واقتعدا الظل في الخلف، في انتظار الإشارة الامبراطورية التي لم تتأخر كثيراً.
كانت تريد ان ترقص… وهكذا حظي صاحب الرق بكثير من نظرات الإعجاب وطلبات الاستزادة، في حين انكمش صاحب العود حتى كاد ينساه الجميع.
عندما جاء الطعام، تقدمت إلى صاحب العود تأمره: الآن جاء دورك! هيا أطربنا!
نبر صاحب العود: وماذا يحبون أن يسمعوا؟
قالت وهي تعطيه ظهرها: قل أي شيء، افتح شهيتهم!
أدار صاحب العود وجهه نحو صاحب الرق وهمر: يا بو عبد الفتاح!
بعد دقائق عادت إليه فهمس لزميله: انتصرنا، ها قد جاءتنا بزخة عطر جديدة!
قالت: لا أفهم في الغناء العربي، سأترك الأمر لذوقك!
وانفجر صاحب العود يغني وقد نسي العشاء، ونسي رفيقه، ونسي الجمهور الذي أخذ يتناقص حتى لم يبق منه إلا نفر قليل.
ثم جاءت المفاجأة الممتعة، إذ انتبه إليها تسحب صديقة لها من يدها وتتقدمان فتجلسان على العشب قريباً جداً منهما بحيث توهم أن أنفاسها تلفح وجهه. قالت: غنِّ لي أنا الآن!
عزف بالريشة، ثم بأنامله، على الاوتار وكأنها شغاف صدره، حتى نسي أنها طلبت غناءً… وتدخل صاحب الرق، لكن العازف كان يحلق في سماء النغم الذي أراده رسالة إليها. ولم ينتبه إلا حين وقفت لتنصرف وهي تغمغم: طاح العنب طاح!
وتابع العازف بعينيه »الحصرم« وهو يعود متعجلاً نحو حلب!

من أقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
اغسل حزنك بالحب. الحزن أحد مكونات الحياة البشرية، وهو يطهر النفس ويغسلها من الأحقاد بالحب.. حب الحياة وحب أبناء الحياة. وعنوان أبناء الحياة بالنسبة إليّ هو سري الذي لن أذيعه أمام حشدكم هذا.. ولكنني أرتعش إذا ما ذكر أحدكم اسمه ولو بالمصادفة!

Exit mobile version