طلال سلمان

هوامش

سلاماً للراسي بين وادي التيم وعاملة
سلاماً أيها الراسي في الوجدان، لا يميتك الموت ولا تذهب بذكرك الأيام…
ها أنت تجمعنا من فيافي البعد، في عيد ميلادك المتجدد، لنستقي من منابع الحكمة كما الذين قبلنا، ما يرشدنا وينوّر طريقنا ويزيدنا صلابة، حتى لكأننا مثلك في عداد المقاومين المجاهدين ضد الجهل وضد التخاذل وضد الاحتلال متمثلين بكلمة الأجداد: »زؤان بلادي ولا قمح الصليبي«!
سلاماً أيها العاملي المتحدّر من حرمون، الرابط بين وادي التيم وجبل عاملة والسهل الفلسطيني، الذي سموت بوطنيتك فوق الطائفية، وسموت بنتاجك الأدبي فوق العصبية، فكنت، اضافة نوعية الى الروّاد من أسلافك وأقرانك العامليين، وهم في الأدب نثراً وشعراً، رواية وتأريخاً، مبدعون لا يقعون تحت حصر، كأنما يُرضَعون الفصاحة مع الحليب ويقولون الشعر قبل الصلاة.
سلاماً أيها العاملي اللبناني، الفلسطيني، السوري، المصري، العراقي.. أيها العربي بامتياز.. ومع العروبة شيء من بابل وأشور، شيء من آرام وأحيرام ونبوخذ نصر وأبي الشرائع حمورابي.
سلاماً أيها الذي اتخذت لك سكنا في الذاكرة الشعبية التي ولدتك حارساً لها، وحملتك من جيل الى جيل فاستبقتك معنا وفينا وفي أبنائنا من بعدنا.
تتماهى صورتك، يا »أبا علي«، مع صورة جدي الذي علّمني اكثر مما علمتني الكتب، فأنت مثله من الذهب العتيق، ومثله كبير لو لم تكن معنا لعزّ علينا ان نشتري كبيراً في مستواك.
كلما قرأتك كان يمتحنني من عليائه ليتأكد أنني فهمت فوعيت: أن الشدائد امتحان للرجولة، وأن الجوع لا يميت، وأن »الأكل حشوة مصران« وأن »التعب وسخ« تغسله وتستأنف رحلتك الى هدفك، وأن من لم يحفظ ارضه لم يحفظ عرضه، وأن الفقر ليس عيباً بل هو عدو مبين عليك ان تنازله حتى تقتله بتصميمك على اصطناع حياتك بقرارك وعرق جبينك، وأن العمل ليس عيباً بل العيب ان تمد يدك…
ونشهد أيها الراسي أنك لم تمد يدك إلا لنجدة ضعيف، وأما رشوتك في »مصلحة التعمير« فكانت الحكايات والنوادر والأمثال الجامعة للحكمة والتي نفعتنا بها أمس وننتفع بها اليوم وسينتفع بها الآتون بعدنا غداً.
كأنك »وقف« نتوارثه فيعرّفنا كيف نتصرف من دون ان يكون لنا الحق في أن نتصرف به او في ان نصرفه في ما لا ينفعنا.
لكأنك غوّاص، احترف صيد اللؤلؤ، ثم نثره على الناس، بغير منّة وبغير اشتراط ان يشهدوا له بالمهارة، او ان يحسنوا تقديره فلا يحسبونه صدفاً فارغاً يستخدمونه لقتل أوقات الفراغ.
ولأنك غوّاص وصياد لؤلؤ، فقد عرفت ان تميز بين العملة الصحيحة وبين العملة الرديئة… بين الأمثال وكلمات الحكمة التي تحضّ على حفظ الكرامة، كرامة الفرد وكرامة الوطن، وبين تلك الجمل المبتدعة التي صكّها المستعمر او المستغلّ او المستكين للاستعمار والاستغلال، او الطائفي المرتزق من التعصب، ثم نثروها بين الناس وكأنها تضمن شروط السلامة… اي شروط الاستكانة للطاغوت، أجنبياً كان أم محلياً.
فالشعوب بذاكرتها التي تسقط العبث ولا تحتفظ إلا بما يساعدها على مواجهة الصعب من أحوالها، وما يوسع مداركها من مقتبسات الحكمة والتجربة.
وها أنت قد جمعت ما يلزمنا في كل ظرف، ويقوّينا على كل شدة، غيرك سخّر التراث منحولا او مزوّراً فابتدع كلمات مجهولة القائل مفضوحة الغرض بينها ما يخدم الأجنبي، وبينها ما يحض على الاستسلام للطاغية، فاستخدم من موروثات عصور التخلف والهوان ما يكسر إرادة الناس ويضعف مقاومتهم للغلط، فقال بتقبيل اليد التي لا تستطيع كسرها مكتفياً بأن ندعو الله الى كسرها، وبالاستسلام لكل من أخذ أمي ومناداته يا عمي.
إنما من موجودك نجود، أيها الراسي، وبفضل نجدتك نخرج من الحيص بيص الى شمس الحقيقة، ولا نقبل مساومة على الارض او الكرامة، من نوع الارض مقابل السلام على طريقة »شيح بريح«، بينما »السلام« فعل قهر في يد محتل الارض.
نحن مثلك، أيها الراسي في وجداننا كمثل هذا الجبل، في أرضنا، من أهل الرأي، لا من أهل القيل والقال، ولسنا نطلق الكلام على طريقة من كل واد عصا، وإنما تعلمنا منك احترام الكلمة وإطلاق الرأي عفو الخاطر، لأنه مثل وجهنا لا نحب له ان يتبدل ولا نقبل له تزويراً.
فالتراث، بعد تطهيره مما دس عليه وما حرف من أصله، هو ضمير الناس، على مرّ العصور، وخلاصة تجاربهم مع ظروف حياتهم.
والذين يحفظون تراثهم انما يحفظون بلادهم ولا يهربون منها إذا ما تهددها خطر، ولا يخرجون من هويتهم الى التفرنج بزعم ان اللغة العربية صعبة على أطفالهم.
فها أنت، أيها الطفل العجوز، قد قلت ما يقال وما لا يقال، بلغة بسيطة سهلة مثل شربة ماء، لا هي مقعّرة ولا هي مخشبة، لا هي من كرتون ولا هي من حديد، بل هي كالعين في الضيعة، تسقي العطاش بغير منّة وتطلق ماءها مشاعاً لكل من يريد ان يرتوي او يغسل تعبه.
لطالما قال لي جدي: اللي ما عنده كبير يشتري كبير!
ولطالما قال لي جدي: لا تحكم على الرجل من لباسه، بل من أفكاره.
ولطالما قال لي جدي: لا تنكر أصلك ولو بمال الأرض، من لم يحفظ أمسه لا غد له.
ولطالما قال لي جدي: الرجال يموتون اما أعمالهم فتبقى. وكل حي يذكر بأفعاله.
وها نحن أيها الراسي، يا ابن ابل السقي البار، يا ابن التخم بين وادي التيم وجبل عاملة الذي علمنا الشعر والحب والمقاومة والتحرير، قد جئناك من كل حدب وصوب لنحتفل بميلادك المتجدد. فالكلمة لا تموت. أليس في البدء كان الكلمة؟!
ونحن حين نحتفل بك إنما نقول فعل إيمان: اقرأ باسم ربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم.
سلاماً ايها الراسي في وجداننا… في عيد ميلادك المتجدد! والسلام على الكلمة وعلى من قرأ.
(مقطع من كلمة قيلت في تأبين سلام الراسي
في إبل السقي)

جلال عارف: عروبة الصحافة في مصر تنتصر
التغيير الذي وقع كالصاعقة في نقابة الصحافيين في مصر بشرى خير. انه »حدث كبير« سيكون له ما بعده، ليس فقط على مستوى العمل النقابي، او حتى العمل المهني في مصر، بل على مؤسسات العمل العام والمجتمع المدني داخل مصر وخارجها. ومع التقدير للدور الذي لعبه الزميل الكبير ابراهيم نافع على رأس النقابة خلال ولايتيه، إلا أنه قد ثبت شرعا ان نقابة خطيرة مثل نقابة الصحافيين في مصر تحتاج الى »صحافي« لا تثقله اعباء رئيس مجلس الادارة لمؤسسة صحافية كبرى كالاهرام، ولا تشغله اثقال رئاسة تحرير هذه الجريدة العريقة التي تفرض عليه ان يكون قريبا من نيران السلطة الى حد التهديد الدائم بالاحتراق.
لا بد من مسافة بين النقابة والسلطة، وبين »الرئيس« و»النقيب« وإلا فرغت النقابة من مضمونها بغير ان تكسب السلطة مزيدا من المنعة او من »الشعبية« فضلا عن »الشرعية«.
وأفترض ان فوز الزميل الكبير والنقابي الممتاز جلال عارف، سيعطي النقابة جرعة من »الاوكسجين« كانت بأمسّ الحاجة اليها.
ذلك ان الالتباس كان يجعل النقابة أشبه بمؤسسة حكومية، في حين انها مؤسسة مهنية، ذات طابع »شعبي« لا يجوز اسقاطه. وبهذا المعنى فمن الطبيعي ان تكون فوق الموالاة وخارج اطار »المعارضة« ولكنها أقرب اليها بحكم دورها الطبيعي في خدمة ابناء المهنة ومطالبهم »السياسية« قبل الخدمات والتقديمات المعيشية.
ثم ان جلال عارف عربي الهوى، تقدمي التفكير، فضلا عن كونه مهنيا عريقا، وكاتبا صاحب رأي لم تبدله التحولات واغراءات السلطة بأن يخلع جلده ليفوز بمنصب فخم الوجاهة مفرغ من المضمون.
ان فوز جلال عارف بموقع نقيب الصحافيين في مصر توكيد لعروبة الصحافة والصحافيين في مصر… وليس في هذا اي انتقاص من دور منافسيه الذين لم يحالفهم التوفيق برغم دعم السلطة، بل ربما بسبب المبالغة في هذا الدعم.
ذلك ان جلال عارف الذي »اتهم« بالناصرية لم يدفع عن نفسه تهمة الايمان بعروبة مصر وبدور بطل ثورتها القومية جمال عبد الناصر في نهضتها الحديثة، بل اكمل معركته من دون ان يغير وجهه او قلبه او لسانه… وربما لهذا اكتسبت معركته هذا البعد العربي بحيث نعتبر انفسنا بين الفائزين!
والآن الى العمل ايها النقيب الآتي باسم التغيير!

اعتذار للحب عن الحب
(إلى ط.أ.س. فجر 27 تموز 2003)
اقترب منك وجلاً يلفني شيء من الشعور بالذنب. كيف تعتذر لحبك عن حبك؟. كيف اشرح لك والحب فوق الشعر، واللهفة تحرق مطلع القصيدة؟
أقف وسط زغردات خافتة لفرح القدوم المستعجل. افهم احتجاجك وأقبله، فهل تقبل اعتذاري؟! لقد اقتحموا عليك بيت السر، وخرقوا حرمة اختيارك. لكنه تعجل الفرح مبكرا. لعلك ستبتهج غدا بقراءة لغز التكوين. لك ان تتهمهم بالأنانية، لكن عذرهم انهم يتشوقون اللقاء خارج المواعيد المقررة. وكان ردك انك باغتّهم فبكرت موعد القدوم.
أقف عند رأسك فلا تنظرني. تحرك كفيك الرقيقين بالأصابع التي من وهم، تحرك قدميك الملفوفتين بالغيم. لكأنك تتثاءب. لكأنك تذب عنك الهوام. لعلك ترفع احتجاجك.
اغيب ثم اعود اليك… وتظل »نائما«، ولا افهم النوم الا احتجاجا. لكن الحب يسبق الكلام. الكلام تأخذه عن غيرك. تتعلمه، حرفا حرفا، ثم تكون الفتحة والضمة والكسرة والسكون. والشعر في الحب الذي يتنزل عليك كأشعة الضياء بغير طلب. أخاف عليك كل هذا الحب، لماذا نلقي عليك بأحمالنا الثقيلة وأنت لم تعرف لون عينيك بعد؟
غدا قد تعتب. قد تلوم. قد يضيق عليك الثوب المستعار. قد يزعجك ان يدعي الآخرون معرفتهم باسمك لا بقدراتك، بطموحك، بحقك في ان تكون انت، لا نسخة مكررة، ولا اسما للغير. لكنك قوي. جبار ايها الاكبر من قلب والأبهى من امنية. وستكون انت. ستخترق سور الاسم لتكون المعنى.
لا بأس. ان جيلك كله محكوم بأن يباشر مهماته مع اطلاق البشارة في وصوله. ولقد يقال غدا: انك سابقت جيلك فسبقته لكي تعزل الذين وهنت اكتافهم تحت احمالهم الثقيلة.
لكأنك الجد والابن والاب والحفيد معاً.
مبروك! ها قد باشرت الشعر قبل الكلام. لقد استعجلت الوصول ليكون لعيدينا فجر تموزي واحد. فقط دعني أر لون عينيك لنقرأ فيهما المستقبل الذي من نار ونور.

من أقوال نسمة
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
اعجب لمن يقول ان عمره قد تجاوز سن الحب.. كيف تكون حياة بلا حب؟ كيف يحسب من الزمن ذلك العمر البلا حب؟! الحب لا يهرم ولا يشيخ… وإذا لم يكن العمر للحب يصبح اجتراراً لزمن ميت.
حبيبي هو عمري، وحبي هو الحياة، لا هي تشيخ ولا هو يهرم، ونحن نولد الف مرة كل يوم.

Exit mobile version