إريك رولو »يلتقي« مروان بشارة عند »الخوف الإسرائيلي«!
في الندوة التي نظمتها الزميلة »الاتحاد« في ابو ظبي، لمناسبة عيدها، أسعدني لقاء »زميلين« احدهما عالي الكفاءة، عظيم الخبرة، شديد التواضع هو الكاتب الصحافي المعروف إريك رولو، والثاني يكتب من موقع »الهاوي« مهنيا وصاحب القضية سياسياً، هو مروان بشارة.
÷ الاول مصري المولد، فرنسي الجنسية، يهودي الديانة، علماني المعتقد، شارف الثمانين من عمره، وما زال يسعى وراء المعلومات والمزيد من المعلومات، يسافر اليها حيث يجدها، وأكثر ما يجدها في الولايات المتحدة الاميركية. وهو قد هجر الصحافة ولم يهجر الكتابة، وإن كان قد بات يميل الى ما يشبه الدراسات او المقالات المرجعية يكتبها لبعض أهم المجلات الفصلية، غالباً، ولبعض كبريات الصحف العالمية احيانا.
ولأنني من جيل عرف إريك رولو من كتاباته في »الموند«، وقد كان مراسلها المتجول او مندوبها الخاص في منطقتنا، ثم عرفته شخصيا وتنامت علاقة الزمالة الى صداقة، فقد أسعدني أن اجلس إليه مجدداً أسمع منه تحليله للظرف الدقيق الذي تمر به منطقتنا العربية.
لكن اجوبة الصحافي الكبير على اسئلتي كانت اسئلة مضادة، مع ذلك فهمت الكثير من المواقف الملتبسة من الزميل الذي اختتم حياته المهنية بقبول طلب من صديقه الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران بأن يكون سفيره وممثله الشخصي في تونس، وكانت علاقاتها بفرنسا تمر بأزمة جدية، ثم بأن يكون سفيره في تركيا. وهكذا اضاف بعدا جديدا الى معارفه عن المنطقة، خصوصاً انه يعرف الى البلاد العربية، مشرقا ومغربا ايران الثورة الاسلامية معرفةَ »المتعاطف« الواعي بحساسية موقعها الاستراتيجي وخطورة دورها »التبشيري«.
ولقد لفتني في هذا الكاتب والمحلل الخبير، دأبه على حضور جلسات الندوة، حتى تلك التي كنا »نهرب« من بلادتها، او من طروحاتها البديهية، في حين كان الناشئون من الصحافيين يمضون الساعات الطوال في المقهى يثرثرون، فإذا مر بهم إريك رولو نظروا إليه مواربة، ثم انبروا ينتقدونه لمواظبته على الاستماع الى المنتدَبين ونهمه الى التدخين.
وحين دار النقاش في الندوة، حول حاجة العرب الى »صحيفة عربية دولية« تُطبع وتوزع في مختلف أرجاء العالم، وجدت هؤلاء الثرثارين (الذين لا يقرأون) الاكثر حماسة، ووجدت رولو يناقش الامر بجدية متسائلا عن جدوى التبشير بين مؤمنين، محذراً من ضآلة المردود قياسا الى الكلفة العالية. وكان ثمة »خبير« قد قدر كلفة النسخة الواحدة من »جريدة دولية« بعشرة دولارات!
إريك رولو بصحة جيدة، وعقل لا يشيخ، ولم يعد يكتب بقدر ما يعرف… وقد اعاد صياغة نفسه، فحاضر في العديد من الجامعات، ثم ألزم نفسه بالكتابة بالانكليزية لأن الفرنسية باتت لغة داخلية، بينما »العالم اميركي«… ولم يكن الامر هيّنا عليه، عملياً لا نفسيا على وجه الخصوص.
قاربتُ الثمانين، ولم ابلغها بعد… ومضجر ان تعيش في ذكرياتك. سأظل اعمل حتى اللحظة الاخيرة، اقابل مصادر المعلومات واقرأ كثيراً واكتب قليلاً وادخن بلا توقف.
وكان بديهياً ان تفرض اسرائيل شارون نفسها على حديثنا، والدماء الفلسطينية تغطي شاشات الفضائيات بوصفها »الخبر الوحيد«، الى جانب »مشروع الخبر« المتمثل بالحرب الاميركية على العراق. قال إريك رولو:
إنه عصر الجنون في اسرائيل. أنا ما زلت أتردد الى هناك حتى اجدّد معلوماتي. لقد اخذهم الخوف الى جنون القوة، وجنون القوة يغري بالتوغل في العنف بحيث يصعب الرجوع عنه، وهذا مما يزيد الخوف… والدائرة مغلقة: خوف عنف خوف وهلمجرا!
÷ أما الثاني فهو مروان بشارة، الفلسطيني هويةً ومولداً وإيماناً وصلابةً، من مواليد الناصرة (فلسطين 1948)، »اسرائيلي« الجنسية، عربي القلب والفكر واللسان، يدرّس في الجامعة الاميركية بباريس، ويناضل من اجل قضيته، شفاهة وكتابة ونقاشاً مفتوحاً مع الذين لا يعرفون او يعرفون ويزوّرون الحقائق ليبرروا إغراقهم بجهلهم المقصود.
لفتني في مروان، ما لفتنا جميعا من قبلُ في أخيه المناضل عزمي بشارة: ان ايمانه لا يترك مساحة لليأس: »لنا المكان والزمان والامل الذي يعمر صدور هؤلاء الفتيان الذين يشترون لفلسطين حياتها بدمائهم. وأهم ما انجزناه اننا نعرف اسرائيل بلا اوهام. نعرفها بدقة تمكّننا من المشي على حد السيف ومن الوصول الى قلب الهدف. ليتكم تعرفونها مثلنا، اذن لسوف يسقط الخوف عنكم، ولسوف يزيد خوفها اكثر مما تفترضون او تقدّرون. آه، لو تعرفون ما يجب ان تعرفوه عن انفسكم، وعنا، وعن عدونا. لا شيء يأتي بالخوف قدر الجهل بالعدو… ومع ان اوضاع العرب مكشوفة تفضح عجز أنظمتهم عن القرار، إلا ان الاسرائيليين الاقوياء اليوم يخافون من الغد العربي. يعرفون ان العرب لا يمكن ان يبقوا على حالهم من الضعف الى الابد، ولذلك فهم يحاولون اليوم تحطيم الغد العربي المخيف… أرأيتَ وجوه جنودهم وهم يهاجمون الفتية والاطفال في فلسطين؟ من يخاف ممن؟«.
الأفعى والطاووس وما بينهما… »وغد«!
هتفت وهي تستقبل تلك الكوكبة من عشاق السهر تدخل جناحها في عوامة الأنس: كل لبنان الاخضر في النيل النجاشي… يا ألف اهلا وسهلا.
عانقت من تعرفه ورحبت بالآخرين، ثم خصتها بتحية من اسعدته لحظة التعارف عن قرب، فنفشت المرأة الطاووس ريشها الملون وحدجتها بنظرة من فوق: لا مجال لأن تنكر عليها جمالها، هذه الفائقة التهذيب والاكثر نعومة من جلد الأفعى!
كان الرجال اكثر عددا من النساء، فتولت المضيفة الرشيقة الناعمة تعويض النقص، فغدت خمس نساء او يزيد قليلاً: دفعت الاول الى حلبة الرقص مع أنثاه، ورمت الثاني بكلمات غزل طائرة، وجاملت زوجة الثالث وهي تحرضها عليه، ورقصت أمام الرابع، ثم قادت الآخرين الى قلب الزحمة في الحلبة الضيقة وتركتهم يندفعون مع الاثارة الى الدبكة او ما يشبهها.
قالت: هنا تتأكد انوثة النساء، ومن بعدُ تتأكد رجولة الرجال! هيا! رجلي غائب، فمن يريد ان يفيد من هذه الفرصة.
لم يقع احد في الشرك. كانوا كلهم الآن داخله… حتى انهم لم ينتبهوا الى المرأة الطاووس وهي تهب واقفة وقد اخذتها نوبة حماسة الى الرقص في زاوية ضيقة بالكاد تتسع لريشها المنفوش…
دار الرجال بعيونهم بين الطاووس والأفعى وقد ضاقت عليهم مساحة المفاضلة، خصوصاً وقد بدأ الريش الملون يتساقط في حين كانت المرأة الشبقة تخرج من جلد الأفعى لتطوق بنعومتها تلك الوافدة المغرورة التي ترى الى نفسها انها آخر النساء.
نظرت الأفعى الى الرجال وقد تهاووا الآن متعَبين داخل الشرك، متناسين »ضيفتهم« التي تصاغرت في زاويتها. كانت الأفعى وحدها خارج الشرك تبحث عن رجلها الضائع داخل كومة من شتائمها: اكيد انه الآن يستعرض فحولته امام الاخريات! هذا الوغد، الذي يميتني فأحييه، وأميته فيحييني!
وفحت المرأة الطاووس من بين أسنانها: أليس بينكم وغد… يا خواجات؟!
مطابخ النساء…
عند الثالثة فجراً سقط عليهم السؤال رخيّ اللهجة ضخم الوقع: كيف تريدون قهوتكم؟!
كان الساهرون قد استنفدوا حكاياتهم التي افترضوها مبهجة، وتبادلوا كرّة اخرى النكات، قديمها والجديد، لذلك فقد هاجموا بشراسة ذلك الذي تجرأ فطلب:»سادة، من فضلك«!
قاموا مودّعين… وبالكاد انتبهت اليهم السيدة الفائقة التهذيب والمرهفة الاناقة.
قال قائلهم: في الاسفار لا تهمنا نساء المطابخ.
وانبرى »خبيرهم« يعرض عليهم ان يأخذهم الى »مطابخ النساء«.
البحث عن رجل المصادفة…
ما ان استقرت في مقعدها في الطائرة حتى التفتت الى جاريها بالمصادفة تشكو ضيقها بقرار منع التدخين في الجو…
جاءت المضيفة بالصحف فطلبت مجلة فنية واخرى نسائية. قالت وهي تنظر اليهما بطرف عينها: ليس في الصحف من جديد! أخبارها قديمة وتعليقاتها باهتة، لا رأي فيها ولا موقف!
سألت كثيرا وأجابا قليلا، ثم سال الكلام مدراراً في الوقت الضائع بين الموعد المقرر والاقلاع الفعلي الذي تأخر لساعتين او يزيد قليلا.
حين نزلوا من الطائرة، كان في مفكرة كل منهما رقم هاتفها، هذه الهاربة من صحرائها القاسية الطقس والتقاليد والرجال، الى حيث النهر يشرب من ضوء القمر ثم يسقي الناس فيأخذهم الى الشعر.
قال اولهما، بعد الافتراق: هي امرأة! أخطر ما فيها عيناها! ان في كل عين نمراً يتغافى، ولكنه جاهز للوثوب على اي طريدة…
قال الثاني: أما شفتاها فما اشهاهما… لكأنهما خارجتان للتوّ من قبلة طويلة وتستعدان للدخول في قبلة اطول!
ظهو اليوم التالي ناور كل منهما على »غريمه« ليعرف ان كانت قد اتصلت او بادر هو الى الاتصال بها: كانا مغرورين، وكانت اعظم غرورا.
قال الاول: تمنيتُ ان أراها وقد تخلصت من ادوات التنكر، الثوب الطويل، حجاب الرأس، والخوف من عيون من يعرفها.
قال الثاني: لقد بتنا بين هؤلاء! قد ترانا، ولكننا لن نراها. هي الآن امرأة في إجازة! ستذهب الى رجل المصادفة.
ولكننا من رجال المصادفة.
هي تريد واحدا فقط! ومن سوء حظك او حظي أننا كنا اثنين! انها لا تريد من يشتريها. تريد من يسبح في بحرها او تسبح في بحره قبل ان تجيء لحظة الغرق… وبعدها الى الثرثرة الطائرة مع الذين تضعهم المصادفات في جوارها البعيد!
نهار وليل…
قالت: لماذا لا تقترب مني؟! لماذا تهرب دائماً؟ هل تخاف مني؟
قال: بل أخاف الخيبة. تبحثين عن مغامرة ليل، وأبحث عن صحبة نهار مشمس. تريدين ان تثيري بي غيري، واريدك لنفسي. آسف، لست »موديلاً« للعرض، ثم إنني أكثر احتراماً للنساء مما تقدّرين.
وماذا عني؟!
أنتِ أكثر غروراً مما يطيق الرجال. يحب الرجل ان يبادر فيدلل أنثاه، فتتباهى به لا عليه.
من أقوال نسمة
قال لي »نسمة« الذي لا تُعرف له مهنة الا الحب:
الحب في إعلانه. قد يغريك »طمعك« بتفهم حبيبك، او بمتين ارتباطه بك، فتنسى او تهمل.
الحب في اعلانه. لا تعتمد دائماً على »تفهم« حبيبك، او على متانة ارتباطكما، بل اكسر رصانة »رجولتك« بهمسة، او بلمسة، حتى لو اعتبرتها دليلاً على ما يحتاج الى دليل. يزدهر الحب كلما التمعت العينان بالشوق او امتدت اليد لتحتضن التنهيدة او خفقة قلب شاردة.